بيانات حركة أحرار البحرين

ما ثمن البضاعة التي اشتريتها؟

فما أقل ما أعطوك، في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك، في جنب ما خربوا عليك“.

ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم، يقاتلون في سبيل الله ، فيقتلون، ويقتلون، وعدا عليه حقا

هذه المعادلة التي طرحها الامام زين العابدين عليه السلام لأبي مسلم الزهري الذي دعي للتعاون مع النظام الحاكم، تختصر نتيجة التعاون مع الطغاة، وهي نتيجة حتمية، فلا مجال لكسب المعركة مع الانظمة الظالمة مهما بذلت الجهود، لانها، بالنسبة لهؤلاء، مسألة حياة او موت. وهناك جانبان لهذه المعادلة غير المتوازنة:

 التعاون والتعامل. فالتعاون مع الظالمين مرفوض لانه تكريس للظلم واعتراف بشرعيته. اما التعامل معه، فهو امر ممكن، اذا اريد تحقيق مصلحة للمؤمنين. والسؤال هنا: ما طبيعة المشكلة بين الحكم الخليفي القائم على الاحتلال، وشعب البحرين؟ وثمة رأيان مطروحان ازاء هذه الاشكالية التي لم تكن قائمة على نطاق واسع قبل بضع سنوات، عندما كان عنوان التحرك السياسي المعارض يتأسس بهدف احداث تغيير سياسي حقيقي يجعل الشعب شريكا في القرار، وليس متلقيا للاوامر. ولم تكن المسالة آنذاك محصورة بالجانب المعيشي للناس، بل كانت تهدف لتحقيق قدر من التوافق السياسي لتحقيق امرين: وضع حد لعقلية الاحتلال، ومساعدة آل خليفة على التحول من محتلين الى مواطنين، والامر الثاني اقامة حكم القانون المؤسس على دستور توافقي يحفظ حق البحرانيين في الشراكة السياسية وينهي عهد  الاستبداد المؤسس على  الاحتلال.

ما الذي حدث؟ وأين ذهبت الحركة الاسلامية السياسية واطروحاتها التغييرية؟ ثمة تطور جوهري طرأ على تفكير البعض، فأصبح أقل اهتماما باحداث التغيير السياسي الذي يحقق الشراكة السياسية عبر الاعتراف المتبادل بالوجود والحقوق بين آل خليفة وأهل البحرين. وجاء في سياق الطرح الجديد ان الناس يعيشون الجوع والفاقة والعوز وآن الاوان للعمل لتوفير هذه الاحتياجات. وتحولت الحركة الاسلامية من حركة سياسية مبدئية تهدف للتغيير السياسي والايديولوجي الى جهة ترفع شعار مكافحة الجوع والفاقة. ولا شك ان هذا الشعار امر مشروع ومطلوب من جهة، ويحظى بقبول عامة الناس من جهة اخرى لانه يتناغم مع هموم الناس. فأين المشكلة اذن؟ ثمة مشاكل عديدة تتصل بهذا الطرح. اولها ان النظام الظالم، خصوصا القائم على اساس الاحتلال والقهر  والغلبة وما يسميه “الفتح” سيظل ظالما ولن يتحول الى نظام عادل أبدا. ولم نسمع ان نظاما جائرا مارس العدل قط. وكل ما يستطيع حاملو شعار محاربة الجوع والعوز هو استنقاذ شيء مما نهبه الظالمون. ثانيها: ان هذا الاستنقاذ ثمنه باهض، فالظالم الماسك بخيوط اللعبة لا يتخلى عن جزء يسير مما استحوذ عليه بالنهب والسلب الا بثمن عال جدا. وهذا مصداق قول الامام عليه السلام. ثالثها: ان اصحاب هذه الاطروحة لا يعرضون مشروعهم بهذه الطريقة، بل يسعون لتسويقه بأساليب مختلفة، الامر الذي يساهم في تشويش ذهن الجماهير وابعادهم عن ا لتفكير العميق في واقعهم. رابعها: انه طرح يقوم على اساس التخلي عن المشروع التغييري المنطلق على اساس اقامة الحكم الاسلامي العادل، بذرائع منها عدم ملاءمة الظروف تارة، وعدم امكان كسر “هيبة الدولة” اخرى، وعدم وجود الغطاء الشرعي لمقاومة النظام ثالثة.

ان استراتيجية الطاغية تقوم على اساس تجويع الناس، كطريق لضمان صمتهم، لان الجائع ينحصر تفكيره في الحصول على ما يسد رمقه، بعيدا عن التطلع للتغيير السياسي الذي يراه، وهو يئن تحت وطأة الجوع، ترفا فكريا لا مجال له. وما دام الحكم الاستبدادي قائما فلن يكون امرا ممكنا استنقاذ المنهوب من ثروات الامة، وسيظل ثمن استنقاذ نزر يسير منه، باهضا جدا. والحركات التغييرية تختلف عن منظمات المجتمع المدني التي تسعى لتحسين اوضاع المواطنين، وعن النقابات والاتحادات العمالية التي تهتم بتحسين اوضاع المواطنين، وتسعى لتوفير الرغيف وخفض اسعار السلع. هذه ليست من مهمات الحركة التغييرية التي تختلف مع نظام الحكم ليس في سياسات حكومته، بل في جوهره وشرعيته والمرجعية الدستورية التي يقوم على اساسها. ولذلك فالحركة التغييرية تشجع قيام مؤسسات المجتمع المدني، لتمارس دورها في التخفيف عن معاناة المواطنين، ولكنها تعتقد كذلك ان  هذه المؤسسات ليست بديلة عن الحركة التغييرية التي تستهدف النظام في اسسه وفلسفته وأسسه الدستورية. ولذلك كررت المقاومة البحرانية مقولات عديدة من بينها: ان مشكلتنا ليست مع الحكومة بل مع الحكم، واننا لسنا نقابات او اتحادات عمالية بل حركة تغييرية تسعى لاحداث تغيير في نظام الحكم، وهو شعار تطرحه بدون تردد ولا تخيفها تهديدات الاحتلال الخليفي بالسجن والتنكيل والقتل. هذه الحركة التغييرية تنطلق على اساس الثوابت الاسلامية التي تدعو لعدم التعايش مع الظلم، وعدم الصمت عما يفعله الظالمون والطغاة، وهي تعلم ان شعاراتها قد لا تروق للبعض، ولكنها متمسكة بها لانه خيارها المنطلق من فهمها لدينها ورسالتها وضرورة مواجهة الظلم والمنكر واجتثاث الباطل خصوصا اذا كان قائما على الاحتلال. وكما جاء في الحديث “إياك وأبواب السلطان! فإن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، لا تصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك مثله“.

ان لثمن الذي يدفع لاستنقاذ النزر اليسير مما هو حق للناس، باهض جدا لا يمكن تبريره. وما ينطوي عليه حديث الامام يوضح المعادلة التي تحكم التعامل مع الظالمين. هذه الحقيقة لا يراها الكثيرون، لانها تغيب بشكل منهجي. فما حدث في البحرين ان السعي لاستنقاذ شيء من حطام الدنيا تأسس على عدد من الامور اولها الاعتراف بدستور ألغى شعب البحرين من الشراكة السياسية، وثانيها تهميش الغالبية السكانية في الانتخابات الصورية، وثالثها: تحسين صورة الحكم الاستبدادي لدى الآخرين واظهاره في حلة ديمقراطية مغايرة لاستبداده وارهابه، ورابعها: التخلي عن الاهداف التي قامت من اجلها الحركة الاسلامية وفي مقدمتها اقامة النظام الاسلامي العادل الذي يلغي الحكم التوارثي الاستبدادي. اننا لا نقول بخطأ من يمني المواطنين باستنقاذ قدر يسير من حقوقهم المنهوبة، ولكن نود ان  تتضح الصورة في اذهان الجماهير، وتدرك وجود خطين متباينين في التعاطي مع الاحتلال الخليفي للبلاد: أحدهما يسعى لانهاء ذلك الاحتلال بكافة الوسائل السلمية المشروعة وحرمانه من اية شرعية خارج الارادة الشعبية والوطنية، والآخر يسعى لاستنقاذ شيء من الحقوق بأي ثمن يفرضه الحاكم المحتل، ويتجاوز الثمن في اغلب الاحيان ما يتم استنقاذه من الحقوق. ومن الضروري ان تتضح الصورة واضحة في الاذهان من جهة، بموازاة وضوح الخطين المختلفين في العمل والتوجه والاولويات. اذا اصبح ذلك واضحا، يمكن استيعاب مغزى قول الامام السجاد عليه السلام. ان الخط التغييري يرفض دفع  فواتير باهضة لمردودات هامشية، ويصر على احداث التغيير سواء في حياة رموزه او على ايدي الاجيال التي يخلقها الله في الارحام. والمواطنون مطالبون بتقييم الاداء خلال السنوات الاخيرة، لاستيضاح ما اذا كان الثمن الذي تم دفعه يساوي ما تم انجازه لتسهيل حياة المواطنين.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية
16
ابريل 2010

زر الذهاب إلى الأعلى