بيانات حركة أحرار البحرين

وداعا يا ملهم الاحرار، ويا من أضأت الطريق امام المجاهدين

وسحقا لمحاكم امن الدولة التي اعادها الطغاة

من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا

ألقى عصى السفر بعد رحلة عمر شاقة، وجهاد لم يتوقف، وفيض من العطاء تواصل طوال خمسة عقود. وفي مكان اقامته الابدية، استقر الجسد المتعب وقد أضنته السنون، وأنهكت قواه المعاناة. وهكذا عظماء الرجال، تعجز اجسامهم عن تحقيق مستلزمات نفوسهم وارواحهم:

واذا كانت النفوس كبارا عجزت عن مرامها الاجسام

كان محمد حسين فضل الله أمة في رجل، حمل هموم الامة عقودا، ولم يفت في عضده الهمز واللمز، ولم تنل من عزيمته الألسنة الحداد الاشحة على الخير. كان يتحرك في فضاء الدعوة الاسلامية الواسع بعزم حديدي لا تفته المعاول، وفضاء واسع يملأ كيانه ووجوده فلا يدع مجالا للانصات لما يقوله المثبطون والقاعدون. لم يشغل نفسه قط الا بما يقربه من هدفه، وما أكبر ذلك الهدف الذي سعى لتحقيقه الانبياء و المصلحون، وسقط على طريقه الشهداء والمجاهدون. ما كان أبوعلي عالما عاديا، او داعية سخر بعض وقته لتبليغ دعوته، ولا ناشطا يحمل قضيته الى الآخرين عندما يسمح وقته بذلك، بل كان عالما يعلم ان ما لديه من علم ليس له قيمة اذا لم يعمل بموجبه. فلم يعرف الايمان الا مقترنا بالعمل، فهو كاتب تفسير من وحي القرآن، وما اكثر الآيات التي عمد لتفسيرها حول اقتران العمل بالايمان “ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا”. وعندما كان في مقتبل العمر وجد نفسه في مواجهة مع حمل ثقيل فرضته مسلتزمات الصحوة الاسلامية التي كانت في طور التكون. لم يتراجع امام ذلك بل خاض غمار التحدي بجدارة، فكتب المقالات في مجلة “الاضواء” بالنجف الاشرف، وشاطر “جماعة العلماء” همومها وفعالياتها، ثم انخرط في تأليف الكتب التوعوية التي نشأ عليها لاحقا جيل الصحوة. وتواصل عطاؤه الفكري في العقود الثلاثة اللاحقة، ومنها ما هو تخصصي في الفقه، وما هو تربوي وتثقيفي، ومنها الشعر والادب، وتفسير القرآن. وكان واضحا ان الفكر الحركي للسيد فضل الله واضح في كتاباته، فهو رجل مشروع يسعى لاعداد الكوادر الضرورية لتفعيله. كان حاضرا في الميدان على كافة الصعدان، الفكرية والسياسية والفقهية والادبية، وكان محط انظر الاعلاميين واهتمامهم خصوصا ايام الصحافة المكتوبة، فما اكثر المقابلات التي نشرت في تلك الصحافة، والمقابلات المرئية على شاشات الفضائيات في السنوات الاخيرة. وقد حظيت نظرته الوحدوية باهتمام الآخرين، من اتباع المذاهب والاديان، وحتى السياسيين الذين ترددوا على مجلسه للحوار وتبادل الآراء واستمزاج المنحى العام للاسلام السياسي الحركي. ولكنه لم ينج من الاستهداف الشخصي بسبب مواقفه وسياساته وحضوره الدائم في ساحات الحدث، فصدرت ضده المنشورات والكتب، خصوصا بعد ان دعا الى تنقيح التاريخ، وتنقيته من الشوائب، وسعى لعقلنة التدين والاتباع. مع ذلك لم يؤثر ذلك على توجهاته العامة شيئا، كما لم يسمح لنفسه بالرد على ما يقوله الآخرون بحقه.

جاء رحيل العلامة السيد محمد حسين فضل الله ليضيف الى جراح الامة النازفة، وليوفر للطغاة والظالمين والمحتلين اجواء لا تصك اسماعهم فيها اصوات الاحرار والمناضلون والثوريون. وقد ترك السيد وراءه إرثا كبيرا من العطاء الفكري والسياسي، وآلى على نفسه الا ان يكون منسجما مع موقفه الصامد حتى اللحظات الاخيرة من حياته. ونقلت وكالة ابناء “رويترز” عن طبيب المستشفى الذي كان يتلقى العلاج فيه لرويترز انه عندما كان واعيا سأله ممرضه: ماذا تطلب لاحضره لك؟ فاجاب: “لا اطلب الا زوال الكيان الصهيوني” وتلك كانت اخر المواقف غير المعلنة قبل ان يستسلم للموت. وهنا يصدق عليه قول الشاعر:

علو في الحياة والممات              لعمرك تلك أعلى المكرمات

وقد كان موقف البحرانيين من رحيله متميزا، فقد شعر الاحرار بالحزن والأسى لرحيله، وأقاموا مجالس الفاتحة، ونظموا جنازة رمزية نقلوها على الاكتاف، تعبيرا عن حبهم له وتضامنهم معه.

وثمة تطور سلبي آخر ظهر مؤخرا، وهو قرار العائلة الخليفية إعادة “محكمة أمن الدولة”  السيئة الصيت، التي بدأت اعمالها في 30 مايو الماضي، وهو تطور خطير جدا، وسقوط في أبشع فترات الحقبة السوداء وفصولها. وقد بدأت محاكماتها القرقوشية تتوالى. ويعتبر اعادة اعتقال الضحايا من منطقة كرزكان، بعد ان برأتهم المحكمة، جريمة كبرى ارتكبتها محكمة امن الدولة، ومعها العائلة الخليفية الاجرامية. أصبح هؤلاء يرزحون في زنزانات التعذيب الخليفية لسبب واحد، وهو حب الانتقام لدى طاغية البلاد. فما داموا قد تحدثوا لفريق منظمة هيومن رايتس وكشفوا حقيقة جراحهم، تعمق القلق لدى الطغمة الفاسدة التي تتحكم في مصائر المواطنين من ان يؤدي اطلاق سراح مجموعة المعامير قد تؤدي الى النتيجة نفسها، فينكشف بكل جلاء الملف الاجرامي لهذه العائلة المحتلة. فجاء قرار اصدار الحكم بالسجن مدى الحياة لسبعة من السجناء السياسيين الذي لم يرتكبوا جرما واضحا، بل اتهموا عنوة بالمشاركة في قتل احد المرتزقة.

ان عودة محكمة امن الدولة مؤشر للنوايا السوداء لدى رموز العائلة الخليفية. فقد اعقبها  اصدار حكم بالسجن عشرة اعوام بحق شاب فقد بصره في تفجير ارتكبته اجهزة الامن والمخابرات الرسمية. وكان الشاب علي سعد قد استهدف بتفجير سيارة كان يستقلها مع صديقه، موسى جعفر، الذي استشهد في الحال. ان قرار اعادة سجن هذا الشاب الذي فقد بصره في التفجير الآثم، ظلم واجحاف لا يضاهيهما شيء آخر. كما ان التهديدات التي بدأ رموز الاحتلال الخليفي يوصلونها لرموز المعارضة في الداخل والخارج، توحي بورطة المحتلين، وعجزهم عن اتخاذ قرار من نوع آخر، يعيد للتوازن معناه، ويشير الى مستوى آخر من العدل والانصاف. ولكن اصبح الاحتلال يفكر بطرق آخر، ويضمر الشر لأهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة) ويمارس سياسة العقوبة الجماعية ويؤسس نظام “الفصل الطائفيعلى امل ان يؤدي ذلك لإشغال الناس بعضهم ببعض، واثارة الفتنة المذهبية التي أكد علماء الاسلام على ضرورة دحضها وافشالها.

معا نقل على طريق رواد التغيير في المجتمع البحراني المعاصر، وآخرهم آية الله السيد محمد حسين فضل الله، ويدا بيد نسير على خطاهم، ونستلهم منهم الذكر الطيب والايمان الراسخ والاسلام الحركي الذي لا يرتضي مسايرة الطغاة والظالمين. لقد كشفت محاكمة شباب المعامير مدى هبوط اخلاق هذا الاحتلال وانسانيته، ولكنه سيكون الخاسر بعون الله، لانه يؤسس للظلم والاضطهاد والاذلال. فليشمر المجاهدون عن سواعد الجد، وليعيشوا كما عاش السيد فضل الله، مفكرا باستقلال، وعالما بأصالة، وحركيا بهدفية، ورافضا للظلم بوعي وقرار ذاتيين، وسائرا على خطى الانبياء كما هم الاوصياء والاولياء. وبعد المحاكمات الاخيرة امام محكمة امن الدولة السيئة الصيت، لم يعد مجال للتشكيك في حرب التصفية والانتقام التي اصبحت حجر الزاوية في حكم الطاغية وديوانه وفي مقدمتهم مهندس نظام “الفصل الطائفي” خالد بن أحمد آل خليفة. وأملنا ان يؤدي ذلك لتغيرات حقيقية في المجتمع البحراني لا تتوقف حتى تسقط عقلية الاحتلال بعون الله تعالى

حركة احرار البحرين الاسلامية
9
يوليو 2010

زر الذهاب إلى الأعلى