بيانات حركة أحرار البحرين

لنقف بصدق امام حقائق الواقع وقيم القرآن

الشاب علي السعيد ملقى على سرير المستشفى يصارع آلام الجسد الذي اخترقته طلقات الشوزن، ذلك السلاح الذي اصبح رمز الحقد الخليفي ضد اهل البحرين، وعنوان العلاقة بين السكان الاصليين (شيعة وسنة) والمحتلين ومن معهم من المرتزقة والمستوطنين.

 سماحة الشيخ محمد حبيب المقداد يلبي استغاثات الجرحى والمظلومين، ويعلنها صرخة ضد الخليفيين المجرمين، وسط صمت مطبق في اجواء اللامبالاة من جهة ومنطق تبرير التقاعس والانسحاب من مواجهة العدو من جهة ثانية، و بهرجةالمشروع الاصلاحي” ثالثة، و “الاستعداد لخوض الانتخابات الديمقراطية” من جهة رابعة. عمامة واحدة اختصرت تاريخ الصمود البطولي الذي بدأ بعمامة رسول الله وعلي وبقية الائمة والصالحين، وتواصلت متجسدة في نفر قليل مثل الامام الخميني والشهيد الصدر والمرحوم فضل الله، وما تزال تبحث عمن يفي باستحقاقاتها. علي سعد، الشاب الذي لا يتجاوز عمره الخامسة والعشرين، منحه الله بصيرة ثاقبة بعد ان فقد بصره بتفجير خليفي اجرامي قتل رفيق دربه، موسى دربه، وأفقده عينيه، وأثبت مجددا ان العين ليست شرطا للبصر “فانها لا تعمى الابصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”. يمضي هو واخوته المجاهدون داعين الى الله وهم يتلون الآية الكريمة: “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين”. والدعوة العملية تختلف في اثرها عن لقلقة اللسان بما يشبه العلم، ولا يصاحبها العمل. سبعة من ابطال المعامير يواجهون الحكم الخليفي الظالم، بنفوس كبيرة مستعيدين مواقف الائمة والصالحين من قبلهم وكل منهم يقول “رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه”. وفي ذكرى وفاة الامام موسى الكاظم عليه السلام يبدأون فصلا جديدا من حياتهم وراء القضبان، متوكلين على الله، مستذكرين إمامهم الذي قضى اكثر من 14 عاما وراء القضبان، صادقا مع ربه ودينه ونفسه ومن حوله. لم ينس هؤلاء ان الله قد وفقهم للوقوف بوجه فرعون وجنوده، فأدركوا ضعف نظامه وهشاشته، فقالوا بلسان واحد: “فاقض ما أنت قاض، انما تقضي هذه الحياة الدنيا“.

أمثلة حية تتكرر عبر الاجيال والعصور. المشهد واحد وان تغيرت مواقعه، الظالم ماثل امام الجميع بظلمه وجبروته واستبداده وتكبره وان تغير شخصه، والأبطال الذين يتصدون لظلمه واجرامه قد يختلفون في أشكالهم، ولكنهم متشابهون في الموقف والارادة والتصميم، واهم ما يجمعهم جميعا انهم “أحرار”. يعرف كل منهم انه قد يستشهد على ايدي الطاغية، ولكنه منذ ان آمن بربه، دخل في تعاقد مع الله، معتقدا ان ذلك صفقة رابحة: “ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم“.

هذا المؤمن يعلم ان الصدق أهم ميزة مطلوبة منه، فالرائد لا يكذب أهله، فلم يعد يهتم على اي جانب يلقى ربه:
ولست أبالي حين أقتل مسلما                 على أي جنب كان في الله مصرعي

مشاهد المواجهة بين اهل الحق واهل الباطل متواصلة عبر العصور. انه استقطاب واضح بين معسكرين، يتبلور تارة في مواقف الانبياء (ابراهيم ونمرود، موسى وفرعون، محمد والمشركين، علي في مواجهة الناكثين والمارقين والقاسطين، الحسن ومعاوية، الحسين ويزيد، زين العابدين وهشام بن عبد الملك، الصادق والمنصور، الكاظم والرشيد، العسكري والمتوكل). كان الطرف الصالح في تلك المواجهة واضحا في موقفه، لم تتشوش بصيرته، ولم يتأثر بأهواء النفس او وسوسات الشيطان، او إعلام الطغاة. كان اولئك جميعا في مواجهة لم تنقطع مع الظلم، بأساليب تختلف في اشكالها، وتتفق في جوهرها. فبعد المواقف الواضحة للائمة الثلاثة الاوائل يخاطب الامام زين العابدين، احد اصحابه، ويدعى أبو مسلم الزهري، عندما بدأ يساير الامويين، قائلا: “واعلم أن أدنى ما كتمت، وأخفّ ما احتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دُعيت”. قال الامام الصادق: “اذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظملة، وأعوان الظلمة، وأشباه الظلمة، حتى من برى لهم قلماً، ولاق لهم دواة، قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم”. وعن سليمان الجعفري قال: قلت للامام الكاظم: ماتقول في أعمال السلطان فقال عليه السلام:”الدخول في اعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر، و النظر اليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار”. وورد في رواية الفضل بن شاذان عن الامام الرضا عليه السلام ضمن تعداد الكبائر قوله: “ومعونة الظالمين و الركون اليهم“.

هذه الروايات تؤكد حقيقة بقيت مشوشة في اذهان البعض، مفادها ان بعض أئمة أهل البيت قاوم الظالمين، والبعض الآخر صالحهم. هذه الروايات تؤكد ان أيا من الأئمة لم يصالح ظالما قط، وربما حدثت هدنة مؤقتة لظروف موضوعية قاهرة، ولكن الموقف المبدئي والاساس هو المفاصلة مع الظالمين وعدم التهاون في ذلك.

ان تجربة السنوات الاخيرة مع النظام الخليفي الظالم تؤكد ضرورة استلهام المباديء التي تحتويها قيم الاسلام خصوصا ما تتضمنه احاديث الرسول واهل البيت عليهم السلام. وثمة خشية كبيرة من ان تؤدي الرغبة في “مهادنةالطغاة او “مسايرتهم” الى تجسيد مفهوم الآية الكريمة من سورة ابراهيم “وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم، ورأيتم كيف فعلنا بهم، وضربنا لكم الأمثال”. انها خشية حقيقية ان تعيش العناصر المؤمنة حياة الظالمين، في نمطها وترفها ورواتبها ومخصصاتها، اي بمستويات ومعدلات مختلفة عن معدل حياة الفقراء والمعدمين، كل ذلك بعد ان اتضح ما حل بالظالمين من هزيمة وسقوط. المشكلة التي تنجم عن هذه الحياة ان تصر تلك العناصر على الدفاع عن موقفها برغم خطئه وتقدم الاعذار والتبريرات، والله سبحانه وتعالى يعتبر تلك التبريرات امرا خطيرا تزول منه الجبال: “وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال”. الأمر المؤكد ان الذين أصروا على رفض المشروع الخليفي ورفضوا الانخراط فيه قد حماهم الله من الوقوع في هذا المنزق الخطير الذي تصفه الآية الكريمة باسلوب يبعث الهلع في النفوس النقية التي لم تصب بأدران المال والجاه والسلطان. وبعد تجربة السنوات الاربع الماضية ندعو الله سبحانه ان يوفق الاخوة المؤمنين لمراجعة النفس والانحياز  للمستضعفين والتنكر للظالمين، والتخلي عن كافة اساليب المديح والاطراء للطغاة والمستكربين والمتجبرين والسارقين والجلادين، فحينئذ تنقشع الغشاوة ويزول الرين عن القلوب لان الاستمرار في التطبيع مع الظالمين يؤدي الى الرين والارتياب واستمراء الظلم والتعايش مع الفساد، والصمت على جرائم الظالمين والمعذبين: “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون“.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية
16
يوليو 2010

زر الذهاب إلى الأعلى