بيانات حركة أحرار البحرين

الخواجة والمشيمع: جسدان نحيفان وروحان كبيرتان

عندما قرر الاستاذ عبد الهادي الخواجة بدء اضرابه عن الطعام كان يعلم ان ذلك هو طريقه للحرية والانعتاق من القيود. فان انتصرت ارادته هزمت ارادة الجلادين والديكتاتوريين وتمكن من تحقيق انجاز كبير على طريق حرية الشعب والوطن. وان كانت الاخرى، والتحق بربه فقد حظي بالفوز الاكبر، ونال كبرى الحسنيين. لقد كان مشروع شهادة، بحضوره وغيابه، (وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين).

 لقد ارتضاه الله شهيدا على امة تحكمت فيها قوى البغي والعدوان والظلم والاحتلال، فكان لا بد من صوت حسيني يرتفع، ليقول للناس: “ان لم يكن لكم دين فكونوا احرارا في دنياكم”. والحرية مرادفة للايمان، فلا يكتمل الا بها، اما بدونها فان الانسان يبقى اسير الاستعباد للبشر، وهذا الاستعباد يفقده ارادته، ومن يفقد الارادة يصبح حيوانا بشريا. عبد الهادي الذي عاش المنافي والسجون والتعذيب ما كان ليرضى بالاسر مدى العمر، فتحرك لتحرير نفسه وشعبه من قيود الظلم والاستعباد. فدفع الثمن غاليا، لكنه ثمن، في نظره، ضروري لنيل الحرية التي هي بدورها ضرورة لنيل اعلى مراتب الايمان. لقد خبر ابوزينب اولئك البشر ومنذ سنوات عرف طبيعتهم، وان كبرياءهم لا بد ان يكسر وكرامتهم لا بد ان تداس، وهيبة حكمهم لا بد ان تسقط. توكل على ربه وامسك عن الطعام، وهو ذو الجسد النحيف الذي زاده السجن والتعذيب نحولا. لكن ارادته كانت اقوى من ارادة سجانيه، تعذب جسده الطيني من فقدان الطعام، لكن اعداء الشعب كانوا أشد عذابا، فقد تعاطف العالم معه، واحرج سجانيه وحلفاءهم، فتقزم ذوو الوظائف الرفيعة في الدول الغربية، واصبحوا اضعف منه ارادة و اصغر شأنا وأشد معاناة. فماذا يقولون للعالم لتبرير استمرار اعتقاله بعد ثبوت ضلوعهم في تعذيبه والتنكيل به وباخوته الابطال الذين لكل منهم قصته وشموخه وصموده. يدعون ان الخليفيين نفذوا توصيات بسيوني، ولكن معاناة الخواجة تكشف زيف دعاواهم لانه ما يزال معتقلا رغم التوصيات التي تدعو لاطاق سراحه واخوته.

يوم بعد آخر تتعمق قناعة البحرانيين بضرورة التخلص من الخليفيين كحكام جائرين يفرضون حكمهم على الشعب بالقوة والقهر، مدعومين بالاجانب. ربما لم تكن هذه القناعة راسخة في قلوب الكثيرين قبل الثورة، ولكن العام الاخير كان حاسما في توجيه مواقف الشعب بعد ما راوه من عذاب وتنكيل وتصفية على الهوية واعتداء على الارواح والممتلكات والمقدسات والعقائد والقيم. واكتشف المواطنون ضرورة تصعيد المقاومة بدون توقف وعدم انتظار المجتمع الدولي الذي تقوده امريكا. هذا المجتمع لم يقف متفرجا فحسب، بل ان القوى الفاعلة فيه (بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا) التزمت سياسات معادية لشعب البحرين، فبعثت واشنطن بأسوأ شرطي في امريكا للمشاركة في استهداف البحرانيين بهدف القضاء على الثورة. وبعثت لندن شرطيا طرد من منصبه بسبب ممارساته التي لا تنسجم مع ما يتوقعه الشعب البريطاني منه، عندما رفض التحقيق في جريمة التنصت على هواتف المواطنين بسبب علاقاته الشخصية مع الجهات المعنية بهذا التنصت. اما السعودية فقد دخلت طرفا محاربا للشعب وبعثت قواتها لاحتلال البلاد بموافقة امريكية مفضوحة برغم محاولات التكتم عليها. شباب الثورة عاهد ربه وشعبه على السير في ثورة التحرير حتى يتحقق امران: دحر المحتل السعودي واسقاط النظام الخليفي. انه خيار لا رجعة فيه، ولن تستطيع قوة في الارض منع انتصار الشعب ودحر المحتلين والمستبدين. وقد اصبحت قيم العالم ومبادئه على المحك، فهل يسمح باستمرار الاستبداد وقمع حق الشعب في تقريرمصيره؟ ام هل يظل متفرجا على المشهد الدموي الذي يسقط فيه الضحايا ظلما وعدوانا؟ لقد اكدت جريمة اغتيال الشهيد احمد اسماعيل هذا الاسبوع استحالة اصلاح النظام الخليفي ما دام مسيطرا على اجهزة خمسة: الشرطة والامن والجيش والاعلام والقضاء. هذه الاجهزة يجب ان تكون “مؤممة” وان تدار من قبل حكومة ينتخبها الشعب بعد ضمان حقه في تقرير مصيره وكتابة دستوره الديمقراطي بحرية كاملة. وما لم يحدث ذلك فسيظل اي اتفاق تبحث عنه القوى السياسية الرسمية حبرا على ورق لن يجد طريقه الى التنفيذ.

ان الحراك الشعبي في الشوارع الذي لم يتوقف ابدا بل هو في تصاعد، والاضراب عن الطعام الذي يمارسه الاستاذ عبد الهادي الخواجة الذي دخلت صحته مرحلة حرجة، ومرض الاستاذ حسن مشيمع، كلها قضايا تتفاعل يوميا لتجعل الوضع البحراني قضية تفرض نفسها على العالم، وتتجه، بفضل الله وثبات المجاهدين في ساحات النضال والمقاومة، نحو الحسم الايجابي لصالح الشعب. لقد انتهى زمن المسرحيات والاستسلام بعد ان اتضح مساران على الساحة: الاول يسعى لتصفية القضية بالقوة في اغلب الاحيان، وبالخداع والتدليس والكلام الاجوف اخرى، والتضليل ثالثة. والثاني مسار التغيير عن طريق الثورة الشعبية التي تميزت عن بقية ثورات العالم العربي بثباتها واستمرارها واستعصائها على الهزيمة ومحاولات الاحتواء. المساران يتواصلان بدون توقف، بعد ان فشلت قوى الثورة المضادة في اخماد الثورة او تحويلها الى صراع طائفي او استدراجها الى مستنقع التحاور مع قوى القتل والتعذيب والاستبداد. يأتي ذلك وسط تقارير تعمق قناعة البحرانيين بضرورة الاسراع بالتخلص من النظام الخليفي الذي فتح ملف التجنيس مجددا على امل ان يؤدي التغيير الديمغرافي لتغيير الوقائع على الساحة. انها اساليب شيطانية لن يكتب لها النجاح انشاء الله ما دام الشعب واعيا، وما دامت قوى التغيير حاضرة في الميدان يوميا. كما ان اراقة الدماء من قبل الخليفيين والسعوديين المجرمين عامل آخر في ابقاء جذوة الثورة متقدة ومنع الالتفاف على الثورة ومطالبها. وثمة مؤشرات لحدوث تغيرات استراتيجية بمنطقة الخليج تؤدي الى اضعاف النفوذ الامريكي و  البريطاني تدريجيا بسبب سياسات البلدين المعادية لشعوب المنطقة والمتواطئة مع انظمة وراثية بالية فشلت في استيعاب دروس ثورة الشعوب العربية ومنحى التغيير السياسي الذي قد يتأخر ولكن احدا لن يهزمه او يقضي عليه.

ثورة الشعب مستمرة، وكلما سقط شهيد حمل الراية فوج من عشاق الشهادة، على طريق الحرية والكرامة، متوكلين على الله، ومشتاقين للقائه على خط الشهادة والحضور الميداني الدائم. ان شعبا تتصدر المراة ثورته بحزم وتصميم، وتقدم الامهات فلذات اكبادها فداء لله والوطن، لا يمكن هزيمته. وان فلولا تسلب اموال الامة وتشتري بها رضا الاجانب لا تستطيع الثبات في مواقعها طويلا. ان كافة ثورات الربيع العربي تعيش مخاضا صعبا بعد ان استرجعت قوى الثورة المضادة بقيادة امريكا والسعودية قواها وبدأت عدوانا مضادا ضد قوى التغيير مستعملة ابشع الوسائل واقذرها. فبالاضافة الى القتل والسجن والتعذيب والضغوط الاقتصادية، اصبحت الطائفية السلاح الامضى لدى هذه القوى الشريرة. واصبحت قوى ما بعد التغيير امام تحديات هذه الاساليب الشيطانية الاجرامية، فاما الاستسلام لها او مواجهتها بارادة الثورة وعزائم المجاهدين وثبات الايمان والحق. وليس لدى الشعوب خيار سوى  الصمود والتصدي ان هي اصرت على العيش بكرامة وحرية وتمردت على القيود والمعوقات التي تفرضها قوى الثورة المضادة. مطلوب من الثوار جميعا التحلي بالوعي واليقظة، وعدم الانجرار الى مشاريع تلك القوى التي تهدف لحرف المسار وتحجيم الانجازات. ان الايمان والوعي والصدق مع النفس والشعب واستحضار حتمية انتصار المظلومين وسقوط الطغاة والظالمين، كل ذلك من مستلزمات الثورة الناحجة، ومن اسباب تحقق الوعد الالهي للمؤمنين “ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم”. واذا كان الخليفيون يراهنون على غياب عبد الهادي او حسن مشيمع عن الساحة بالموت داخل الزنزانات فليتذكروا ان اعتى الانظمة سقط بوفاة مناضلين في ظروف مشابهة. فوفاة ستيف بيكو في 1977 تحت التعذيب في سجون النظام العنصري بجنوب افريقيا ادى الى انتفاضة لم تخمد حتى سقط النظام. واعدام الناشط الحقوقي النيجيري، كين ساراويوا، أنهى الحكم العسكري. ولن يكون نظام الخليفيين محكوما بمعادلات او قوانين اخرى.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية
5
ابريل 2012

زر الذهاب إلى الأعلى