بيانات حركة أحرار البحرين

لكي لا نُلدغ عشر مرات

بعد مرور عشر سنوات كاملة على الثورة  البحرانية توسعت المسافات الفاصلة بين الشعب البحراني والعائلة الخليفية، حتى بلغت مرحلة اللاعودة. بمعنى آخر ان آفاق عودة اجواء التعايش بين الطرفين تلاشت كثيرا حتى بلغت مستوى العدم. ولذلك تطرح تساؤلات كثيرة حول جدوى اي “حوار” بين الطرفين لاسباب عديدة: اولها ان مستوى الكراهية والرفض المتبادل بين الطرفين تجاوزت الحدود حتى اصبح البحراني يعتبر كلمة “خليفي” تعني التنكيل والتوحش والتغول والحقد والسجن والتعذيب والقتل والاعدام والنفي وهدم المساجد والخيانة والتصهين والعداء المطلق. ثانيها: ان الخليفيين منذ سنوات سحبوا اعترافهم بالشعب البحراني الاصلي (شيعة وسنة) وانتهجوا سياسات ممنهجة لاستبداله بشعب آخر يجري استقدامه من الخارج تدريجيا، ويمنح افراده الجنسية ويمنحون المناصب الحساسة لإحلالهم محل البحرانيين. ثالثها: ان الخليفيين انفسهم، انطلاقا من عدم الاعتراف بالشعب، لا يؤمنون بالتحاور معه. هذه حقيقة لها مصاديقها التاريخية والمعاصرة. فقد يجلس احد افرادهم مع مجموعة من هذه الفئة او تلك، ولكنهم يرفضون الجلوس على طاولة حوار مع وفد يمثل الوطن بشيعته وسنته، اسلامييه ووطنييه. رفض الخليفيون دائما ناقشة قضايا الوطن مع ممثلي الشعب، واعتبروا انفسهم هم الوطن وهم الشعب وهم الدستور وهم القانون، ولا أحد سواهم يحق له طرح اي شأن سياسي خارج ما يطرحونه. رابعا: ان تجربة العقد الاخير أنتجت حقائق جديدة لا يمكن تغييرها، في مقدمتها إصرار الشعب على تغيير النظام السياسي الذي يحكمه بعد ان استنتج بما لا يقبل الشك عدم صلاحية العائلة الخليفية للحكم، سياسيا واخلاقيا وقانونيا. خامسا: ان هناك من القضايا الثابتة في مشروع الاصلاحي الوطني ما يستحيل على الخليفيين اقراره فضلا عن تنفيذه، ومنها حق الشعب في كتابة دستوره وممارسة ديمقراطيته الحقيقية وليس الزائفة، وإقامة حكم القانون الذي يسمح لكل متضرر من الحكم الخليفي التظلم والمقاضاة. وهذا يعني اولا وقبل كل شيء محاكمة الاجهزة الامنية التي تحولت الى وسائل انتقامية من الشعب، وفي مقدمتهم مرتكبي جرائم التعذيب التي مزقت اجساد البحرانيين منذ اكثر من اربعين عاما، وآخرهم الذين عذبوا حتى الموت مثل كريم فخراوي وعلي صقر وزكريا العشيري وسواهم.

في ضوء هذه الحقائق فان من غير المنطقي دعوة الخليفيين الى الحوار، فهي دعوة خارج الوقت والزمن ولا نصيب لها من النجاح ابدا. فهناك جوانب عديدة نجمت عن الثورة المظفرة باذن الله تستدعي الاهتمام من قبل قيادات الشعب والثورة. اولها: ان المتظاهرين منذ اليوم الاول للثورة رفعوا شعار: الشعب يريد اسقاط النظام. وقد اصبح هذا الشعار ثابتا في المشروع السياسي الوطني. وهذا مطلب ينطوي، في ادنى مستوياته، على اسقاط الحكم الاستبدادي واستبداله بما طرحته الجمعيات السياسية تحت عنوان “الملكية الدستورية”. لو تحقق ذلك لاصبح يعني تغير النظام لان الخليفيين سيتحولون، وفق هذا الطرح الى عائلة مالكة وليست حاكمة، بل ان الحكم يعود الى الشعب بشكل كامل. ثانيها: ان القضية الانسانية الكبرى في البحرين هي السجناء السياسيون. هؤلاء قضى الكثيرون منهم عشر سنوات متواصلة وراء القضبان، وما يزال المزيد من المواطنين ينضمون اليهم في طوامير التعذيب الخليفية. وقد انطلقت في الذكرى العاشرة للثورة دعوات كثيرة لاطلاق سراحهم فورا بدون قيد او شرط، لانهم سجناء راي سجنوا وعذبوا بسبب آرائهم السياسية. وهناك اجماع لدى الحقوقيين والنشطاء السياسيين على ان الاستمرار بسجن هؤلاء يضاعف جرائم الخليفيين لانه اعتقال تعسفي، يزداد توحشا حين يقترن بالسجن تعذيب وتنكيل ومعاملة حاطة بالكرامة الانسانية. فاطلاق سراح السجناء السياسيين مطلب ثابت لا يخضع للمساومة ويرفض الشعب ربطه بالمطالب السياسية. فعلى الخليفيين ليس اطاق سراح هؤلاء فحسب بل الاسراع بمقاضاة سجانيهم ومعذبيهم. وقد رفض قادة الشعب المرتهنون لدى العدو الخليفي ان يلتمسوا من احد الإفراج عنهم او ربط ذلك بتسوية سياسية تؤدي الى تمديد الحكم الخليفي او اضفاء الشرعية عليه بعد ان سلبها الشعب منه. اطلاق سراح السجناء مطلب انساني غير مرتبط بالمطالب السياسية. ومن حق هؤلاء الخروج من السجن ومزاولة نشاطهم السياسي المعارض بشكل سلمي على اي مستوى، وليس من حق الخليفيين التعرض لهم بسوء لان ذلك جرم يضاف الى سجلهم الاسود. ثالثا: ان الحراك الشعبي مستمر بدون توقف، سواء اكتظت السجون بالبحرانيين ام افرغت، فحق التغيير السياسي مشروع للشعوب، وليس من حق أحد سلب ذلك الحق. وسيواصل البحرانيون مسارهم الثوري حتى تتحرر البلاد من الحكم الوراثي الاستبدادي والاحتلال الا جنبي الذي استقدمه الخليفيون.

القوى الثورية طرحت تصوراتها بشكل واضح لما تسعى لتحقيقه بكافة الوسائل المدنية السلمية. وقد ساهمت سياسات العائلة الخليفية في تكريس تلك التصورات والاصرار على تحقيقها. فهي سياسات قمعية ومتوحشة واستئصالية لا تتيح مجالا للتواصل الانساني الهادف للتوصل الى ادنى مستويات التعايش والاحترام المتبادل. هذه القوى لديها قناعة راسخة باستحالة اصلاح نظام الحكم الخليفي، وتستدل على ذلك بالمحاولات الفاشلة للقيام بذلك. ومنذ اكثر من 15 عاما تعمق شعورها بضرورة العمل الجاد للتغيير معتبرة ان اية محاولة لتكرار التجارب السابقة انما تساهم في إطالة عمر الحكم الخليفي. ومن أهم مسوغات ذلك النهج ان الخليفيين لا يلتزمون باي عهد او اتفاق مع الشعب. فقد سبق الاستفتاء على الاستقلال قبل خمسين عاما تعهد الخليفيين بان يحكموا البلاد بعد الانسحاب البريطاني بالشراكة مع الشعب، وكان من نتائج ذلك كتابة دستور 1973 والتجربة البرلمانية التي استمرت ثمانية عشر شهرا قبل ان يلغيها الخليفيون بجرة قلم واحدة في اغسطس 1975. كان ذلك انقلابا دنيئا على التعهد الذي قدمه الحاكم السابق الى المرجعية الدينية في العراق خلال زيارته النجف في العام 1969. وفي العام 1995 كان هناك اتفاق بين الرموز السياسيين المعتقلين والحكم الخليفي ممثلا بضابط الامن ايان هندرسون. هذه المبادرة لم تدم طويلا، فما هي الا بضعة شهور بعد خروجهم من السجن حتى اعيدوا اليه في العام 1996 بعد ان انقلب الخليفيون على تعهداتهم باصلاح سياسي في مقابل تهدئة الشارع من جانب الرموز. وجاء الانقلاب الاخير والاخطر بعد خمس سنوات فحسب. فقد كان من شروط الشعب على الخليفيين للتصويت على الميثاق في 14 فبراير 2001، اعادة العمل بدستور 1973 واعتباره حاكما على الميثاق وعدم اجراء اي تغيير في مواده الا ضمن المادة 104 من ذلك الدستور. ولم تمض سوى عام واحد على اقرار الميثاق حتى جاء الانقلاب الاخطر من قبل الديكتاتور الحالي. ففي الذكرى الاولى لإقرار الميثاق أعلن الطاغية تحويل البلاد الى مملكة وتتويج نفسه ملكا عليها، وإلغاء دستور 1973 وفرض وثيقة خليفية على الوطن والشعب. ثلاثة انقلابات خليفية على التعهدات والوعود عمقت القناعة لدى القوى الثورية باستحالة تطوير اوضاع البلاد في ظل حكم ل يحترم العهود والاتفاقات، ويعتمد منطلق القوة والقمع للتعامل مع الوطن والشعب.

ماذا يعني ذلك؟ من المتوقع ان تبادر الابواق الخليفية للتشويش والتضليل بالحديث عن اطلاق سراح السجناء السياسيين ضمن “حوار” و “توافق”، وذلك بالضغط على بعض الرموز السياسية والدينية للقبول بحلول شكلية وترقيعية لا تمس جوهر النظام السياسي. وسيعمل المرجفون، مدعومين بآلة الحكم الاعلامية والمالية، لترويج مقولات عن “الدوافع الانسانية” و “ضرورة الافراج عن السجناء” و “العقلانية” و “الواقعية” و “القبول بما هو ممكن”، لاجبار البعض على الانخراط في مشروع يفتت صفوف المعارضة ولا يحقق امن الشعب واستقراره وحقوقه. ومرة اخرى تكرر القوى الثورية الصامدة انها لن تقبل بالمساومة على حرية السجناء الذين يعتبر سجنهم من الجرائم ضد الانسانية، ولن تشارك في اية صيغة تساهم بإطالة عمر النظام الخليفي. هذه القوى ستصر على التغيير الشامل لان ذلك هو الطريق لتحقيق استقرار الوطن والشعب وضمان حقوق المواطنين الاصليين (شيعة وسنة) بدون إجحاف او ظلم. هذه القوى ترفض مقولات الخضوع والخنوع للخليفيين، ولن تسمح بتمرير مقولات الانسانية والشفقة والواقعية للاجهاز على ثورة  الشعب والقضاء على تطلعاته. فهي ترى ان ذلك انما يساهم في اعادة السيناريوهات التي تكررت على مدى نصف القرن الماضي. فبعد كل ازمة يتم التسويق لحلول ترقيعية لا تدوم طويلا، وسرعان ما يلجأ الخليفيون لاساليبهم القمعية الشرسة. اننا لا نريد ان نرى عشرة “فخراوي” او عشرين “علي صقر” ينحرون في طوامير التعذيب الخليفية في السنوات المقبلة، ولا نريد رؤية مساجدنا تهدم، ولا علماءنا يهانون ويبعدون عن البلاد. لذلك نعارض اية محاولة لابقاء الخليفيين في مواقعهم، بأية ذريعة، ونخاطب أهلنا جميعا بالنداء القرآني الحكيم: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية

26 مارس 2021

 

زر الذهاب إلى الأعلى