بيانات حركة أحرار البحرين

ضخ التريليونات في الخزانة الأمريكية لن يحمي الاستبداد

حالة الجمود التي تمر بها البحرين لا تنبيء بخير للنظام الحاكم الذي يراهن على بقاء الوضع هادئا. لكن الهدوء لا يعني الاستقرار والأمن، فهما بعدان متحركان ومتداخلان ومتصلان بعوامل أخرى من بينها الهدوء. ومن بين أهم عوامل التوتر انعدام الثقة بين النظام الحاكم والمواطنين، فمن شأن ذلك أن يمنع الاستقرار فيما لو اصيب بالتصدع. والثقة بين الطرفين لا تتحقق إلا إذا شعر المواطنون بعدالة حكامه وكفاءتهم وقدرتهم على توفير أمنهم الحياتي والمعيشي. ومن مقومات الأمن الحياتي توفر الحرّيّة التي يراها ذوو النفوس الحرّة من مستلزمات إنسانيتهم. وفي غياب تلك الحرّيّة تتكرر نضالات الشعوب عبر التاريخ. فهل تلك النضالات إلا من أجل تحقق الكرامة لدى المواطنين، وهي ضرورة لإنسانيتهم. وليس جديدا القول بأن النضال مهمة مكلفة فالقيام بها يؤدي للسجن او الموت لانه ينطوي على مواجهة حقيقية مع الأطراف التي تسلب الأمن وتصادر الحرّيّة. وفي المسار العام للدول يعيش المواطنون مستوى عاديا من الحياة في مقابل توفر أجواء الحرّيّة التي تملا نفوسهم بالإنسانية والقيمة. وفي غيابها تسعى الأنظمة لإسكات المواطنين بالأنفاق الباذخ على الشعب، فيصبح مشغولا بملذات الحياة ومتابعة أحدث التطورات المادية. وهذا ما فعلته دول الخليج، ما عدا البحرين. فقد أغذقت على شعوبها بالمال تعويضا عن سلب حرياتهم. ويبدو أن هذه المعادلة استطاعت تحقيق الهدوء نسبيا.

في الاوضاع الحاضرة تعاني دول الخليج تراجعا في الإمكانات المالية لأسباب عديدة. أولها تراجع أسعار النفط لتبقى بحدود ما بين 60 و 70 دولارا للبرميل الواحد. ومع تصاعد الأسعار العالمية فان هذا السعر لا يكفي لإدارة موازنات البلدان وتلبية رغبات شعوبها. ثانيها: دخول الرئيس الامريكي، دونالد ترامب على الخط وسعيه المتواصل لسلب أموال المنطقة. فبعد زيارته الأخيرة لدول خليجية ثلاث: السعودية والإمارات وقطر، أعلن عن حصوله على أكثر من أربعة تريليونات دولار أسماها “استثمارات” خليجية في الاقتصاد الأمريكي. بمعنى أن هذه الاموال ستخرج من خزانات هذه الدول لتصل ألى أمريكا وفق آليات غير معروفة وغير محدّدة. ولم تذكر صفقات سلاح كبرى في مقابل هذه المبالغ الفلكية. فقد أصبح امتلاك السلاح غير ذي شأن من الناحية العملية. فماذا حدث لطائرات التورنادو البريطانية التي “اشترتها” السعودية من بريطانيا قبل أربعين عاما ضمن صفقة بلغت قيمتها آنذاك 25 مليار دولار؟ لقد أصبح القسم الأكبر منها غير صالح للتشغيل، فضلا عن أنها اصبحت قديمة نسبيا، ولا تناسب مزاج ا لحكام الذين يتسابقون لتحديث قدراتهم العسكرية بشكل متواصل. البعد الثالث: أن توسع دوائر الانفاق في دول الخليج يتطلب أموالا تعجز الواردات النفطية عن توفيرها.

ماذا يعني ذلك؟ وما تداعياته الاستراتيجية المحتملة في ظل حالة استقطاب سياسي وعسكري غير مسبوقة في المنطقة. صحيح أن الضغوط الأمريكية على اليمن ربما ساهمت في تخفيف حدة التوتر في منطقة باب المندب والبحر الأحمر ولكن هل هذا أمر دائم أم مؤقت؟ هنا يبدو العامل الإسرائيلي حرجا في المعادلات الاقليمية، فهو يمثل ذروة التهديد لأمن المنطقة واستقرارها، بعكس ما يسعى داعمو الاحتلال لترويجه. فما دام الشعب الفلسطيني محروما من أرضه، يتعرض للقمع والاضطهاد يوميا فلا يمكن تحقيق الأمن أو الاستقرار. وقد مضى على هذا الحال أكثر من ثلاثة أرباع القرن، وما يزال العالم الغربي يرفض اتخاذ موقف إنساني مبدئي يرفض الاحتلال ويساهم في تخفيف معاناة أصحاب الأرض الأصليين. الواضح أن هذا الغرب الذي تقوده أمريكا يفضّل مقولة “توازن الرعب” على مقولات السلام والاستقرار. فالغرب يلتزم الصمت المطبق على الجرائم الإسرائيلية التي يصنّف بعضها ضمن جرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون الدولي.

فالمجاعة التي تضرب غزّة وتقتل سكانها بشكل هاديء يتم التغاضي عنها إعلاميا وسياسيا، لكي لا تحرّك ضمائر العالم فيتحرك ضد الاحتلال. هذه المجاعة غير مسبوقة في العقود الأخيرة، وتختلف عن المجاعات الأخرى التي حدثت في العالم بأنها مفتعلة ومقصودة ويمكن منع حدوثها بقرار أمريكي واحد، ولكنّ قادة أمريكا لا ينطلقون على أسس إنسانية أو أخلاقية، بل يتحركون لحماية أمن الاحتلال فحسب.

الصمت الغربي لا يقابله حراك عربي أو إسلامي فاعل. بل ربما العكس هو ما يحدث. فقد قام عدد من الدول العربية بالتطبيع مع الاحتلال، غير عابيء بمعاناة أهل فلسطين على أيدي الاحتلال. وما تزال الدول المطبّعة تحتفظ بعلاقاتها مع تل أبيب من خلال تبادل السفراء بالاضافة للتبادل التجاري والتناغم السياسي. إنها واحدة من المقاطع التاريخية التي تبعث الألم والأسى في النفس ولكنها تستعصي على محاولات الاحتواء والحل. المشكلة أن الصمت لا ينحصر بالحكومات التي تخشى ردة فعل أمريكا، بل تمتد ألى الشعوب التي لاذت بالصمت ولم تتحرك ضد الاحتلال ومن أجل الإنسانية. وفي الوقت الذي يتم ضخ الاموال العربية للخزانة الامريكية بمبالغ فلكية لا تستخدم تلك المبالغ للضغط على أمريكا لتعديل سياساتها المنحازة للاحتلال والمضادة لتطلعات أهل فلسطين أو قضايا الأمة الأخرى. إنه أحد جوانب الصمت غير المبررة وغير الإنسانية. يضاف إلى ذلك أن الأنظمة التي طبّعت مع الاحتلال لم تساهم بقليل أو كثير في الدفاع عن فلسطين وأهلها، ولم تستفد من علاقاتها الدبلوماسية مع الاحتلال في الضغط عليه بشكل او آخر. بل أن أيا منها لم تهدد حتى بتجميد العلاقات ما دامت “إسرائيل” ترتكب جرائم الاحتلال والتهجير القسري والتجويع على نطاق واسع. ومن بين أنظمة الحكم التي خرجت على إجماع مواطنيها وهرعت للتطبيع العائلة الخليفية الحاكمة في البحرين، التي عرفت بميولها الصهيونية منذ أكثر من عقدين، عندما دعت وزير البيئة الإسرائيلي آنذاك لحضور مؤتمر عقد في المنامة حول البيئة. وما تزال البعثات التجارية بين النظامين مستمرة، ولم تؤثر عليها نداءات الاستغاثة سواء من أهل غزة أم من الجهات الإنسانية ا لدولية الساعية لتخفيف المعاناة الناجمة عن سياسات الحصار والتجويع.

برغم ذلك يصر البحرانيون الأصليون (شيعة وسنة) على موقفهم ا لمبدئي بالوقوف مع الشعب الفلسطيني بشكل كامل ورفض الاحتلال وتجريم التطبيع أو إقامة العلاقات معه. وما أكثر الاحتجاجات التي شارك فيها المواطنون مطالبين بإنهاء مهزلة التطبيع، وكذلك اللقاءات والندوات والنقاشات حول هذه القضية. شعب البحرين لا يعتبرها حيوية فحسب بل مبدئية لا يمكن المساومة بشأنها. لقد استمر المواطنون في احتجاجاتهم وتظاهراتهم الداعية لوقف التطبيع، وكذلك للتغيير السياسي الجوهري في منظومة الحكم في بلدهم. نظرا لاستمرارهم في ذلك فقد دفعوا أثمانا باهضة كان من بينها قتل المتظاهرين المحتجين على ا لسياسة الامريكية الداعمة للاحتلال، واعتقال الكثيرين من الذين هتفوا باسم فلسطين في هذه الفعاليات. بل أن كافة الرموز السياسية المعتقلة في طوامير ا لتعذيب الخليفية يعتبرون روادا للموقف الوطني الداعم للقضية الفلسطينية. وقد عبّروا عن تلك المواقف في خطبهم الدينية وخطاباتهم السياسية ومشاركاتهم، عندما كانوا خارج السجن، في التظاهرات والاحتجاجات من أجل فلسطين. فشعب البحرين ما فتيء يعتز بانتمائه العربي الإسلامي ويعتبر قضية فلسطين جوهرية لديه، ويرفض التخلي عنها او التطبيع مع محتليها. سيتواصل هذا الموقف بدون تراجع أو مساومة وسيظل شعبنا البطل صامدا أمام ضغوط الحكم الخليفي الذي كان من أوائل المنخرطين في مشروع التطبيع، وعلى رأس أنظمة القمع والاستبداد التي تحرم مواطنيها من حقوقهم الديمقراطية. فالشعب يدرك ارتباط المسألة الديمقراطية بالسياسة تجاه القضية الفلسطينية، ويعلم أن أنظمة الاستبداد متحالفة (علنا أو سرّا) مع ”إسرائيل“ بدوافع غير نظيفة، في إطار ما تردد كثيرا عن تشكيل محور ضد أعداء وهميين، على رأسهم إيران ومن ضمنهم الإسلام السياسي والتطرف. وتعلم شعوب المنطقة أن هذا التحالف إنما هو محاولة للقفز على الواقع وتجاهل المطالبة المستمرة من قبل الشعوب بالتحول الديمقراطي الذي يوفر لها قدرا من الإنسانية. إنه صراع قديم يتجدد ويفرض نفسه على القوى الإقليمية من جهة، ويدفع الشعوب من جهة ثانية للصمود والاستمرار في المطالبة بما هو حق طبيعي. إن صراع من أجل الإنسانية أولا ومن أجل فلسطي ثانيا ومن أجل الحرّيّة والاستقلال ثالثا.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا ربّ العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية
30 مايو 2025

زر الذهاب إلى الأعلى