بيانات حركة أحرار البحرين

صمود وطني واسع في ذكرى مجزرة “ساحة الفداء” وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد

في الذكرى الثامنة لما أصبح يسمى “معركة الفداء” فعل البحرانيون خيرا بالاحتفاء بها واستحضار ما حدث فيها. ففي السابع عشر من مايو من العام 2017 حدثت المفاصلة التاريخية بين البحرانيين والخليفيين، التي كتبت خطوطها بدماء الشهداء الستة الذين قتلهم السفاحون بدم بارد. ففي ذلك اليوم كان الطاغية عازما على إكمال مشروع تصفية السكان الأصليين باستهداف كبرى قياداتهم، ولكن كان وجود المدافعين عن سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم حائلا دون ذلك. فقد أصدر الديوان الملكي المجرم أوامره بشن العدوان الغاشم على منزله واستهداف الثلة المؤمنة التي كانت مستعدة للتضحية بأرواحها دفاعا عنه. فاستشهد من استشهد وسجن من سجن، وبذلك بدأت صفحة جديدة من المفاصلة بين الطرفين. إنها مفاصلة تاريخية لن يغيرها شيء إلا بسقوط الحكم الخليفي الجائر الذي يظن حتى الآن أن بإمكانه البقاء ما دام الدعم الانجلو- أمريكي- السعودي – الإسرائيلي لحكمه مستمرا. وهذا ليس غريبا على حثالة مجرمة اعتمدت دائما على الدعم الأجنبي مستغلة ثروات البلاد لاستجداء ذلك الدعم. فمنذ ما يسمى “الاستقلال” وجد الخليفيون أنفسهم بين أمرين: الدخول في شراكة سياسية مع السكان الأصليين (شيعة وسنة) أو التصدي للحراك الوطني التاريخي لمنع حدوث ثورة شاملة تقتلع الحكم القبلي الاستبدادي من جذوره وتستبدلة بنظام حكم عصري متحضر يشارك المواطنون فيه على قدم المساواة وفق قاعدة: صوت لكل مواطن.

لم تكن حادثة “ساحة الفداء” معركة طارئة راح ضحيتها مواطنون أبرياء استهدفهم الحكم الخليفي المجرم، بل كانت محطّة على طريق نضالي طويل شاركت فيه أجيال متعاقبة بدأ نضالها من أجل الحرّيّة منذ أكثر من مائة عام. فمنذ العام 1922 انتشر وعي وطني ساهمت فيه الصحوة التحرّريّة التي انتشرت في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى وعمّقت مشاعر الرغبة في إقامة منظومة سياسية عصرية مختلفة عن النظام القبلي الموغل في القدم والبعيد عن روح العصر. وعلى مدى أكثر من قرن حدثت الانتفاضات والثورات البحرانية الهادفة لكسر احتكار السلطة من قبل العائلة الخليفية التي احتلت البلاد بالقوة وما تزال تستخدم النار والحديد لمواجهة دعوات التطور والتحضّر. وما أطول قافلة الشهداء الذين ضحّوا من أجل الحرّيّة على ذلك الطريق الطويل، وما أكثر السجناء السياسيين الذين تعرضوا لأبشع اصناف التنكيل. في هذا المسار الطويل كان أمام الخليفيين واحد من خيارين: إما الشراكة السياسية مع الشعب أو الاستمرار في التحالف مع الأجنبي لضمان بقائهم في الحكم في مقابل التخلّي عن السيادة لداعميهم. إنها معركة متواصلة لم تتوقف، بل شهدت محطّات تلطخت بالدماء والعنف الذي كان مصدره واحدا: الخليفيون وداعموهم. وكان البحرانيون هم الطرف المستهدف بالعنف والتنكيل والقتل. حدث هذا في العشرينات والأربعينات والخمسينات والستينات، وما يزال جاريا حتى الآن. لذلك تعمّق الشعور باستحالة التعايش مع الخليفيين ما داموا يمسلكون بتلابيب الحكم بعد أن ثبتت خيانتهم وظلمهم وعدوانهم واستهتارهم الدائم بالقيم والحقوق.

ولم تكن حوادث “ساحة الفداء” إلا استمرارا لذلك المسار التاريخي الذي كتبت حروفه دماء المناضلين.هذه المرة كانت الجريمة الخليفية موثّقة بالصوت والصّورة، حدثت أمام الأنظار، وكانت فصولها دامية كأبشع ما يكون. وربما كانت نتائجها صادمة للكثيرين، خصوصا أن وقائعها كانت تُبث لحظة بلحظة، ولكنها عمّقت شعور البحرانيين بشراسة العدو الخليفي الذي رفض أن يكون يوما “بحرانيا” في المشاعر والانتماء والسلوك. فالبحراني الأصلي (شيعيا كان أم سنيُا) لا يغدر بأبناء وطنه ولا يستقدم الغريب لاحتلال أرضه، ولا يرضى بديلا عن الوطن ولا يغوص في سفك الدماء ولا يتآمر ضد أمن البلد واستقراره. فكانت ملحمة “ساحة الفداء” مفاصلة فكرية ونفسية وسياسية بين طرفين لا يجمعهما شيء لانهما ينتميان لثقافتين مختلفتين. فالشعب ينتمي لثقافة الإسلام والإنسانية ويتمسك بالرحمة، بينما الخليفيون ينطلقون من العقلية القبلية القائمة على الفتك والغدر والعدوان والعصبية. ولذلك فسلوك الطرفين متباين جدّا لأن المواطنين ملتزمون بالقيم الدينية والأخلاقية ولا يسمحون لأنفسهم بالخروج عليها مهما كان ذلك مكلفا لهم، بينما لا يجد الخليفيون أنفسهم ملزمين بشيء من تلك الضوابط، بل تحركهم مشاعر مختلفة جدا منها حبّ السلطة والفساد ومشاعر الانتقام وسواها. لذلك سيظل الطرفان متباعدين دائما، وستستمر بذلك أزمة البلاد التي لم تتوقف منذ أكثر من قرن.

يخطيء من يعتقد أن حوادث “ساحة الفداء” كانت خارج سياق العلاقات بين الطرفين، أو أنها ستكون آخر الاعتداءات التي يشنها الخليفيون ضد البحرانيين. كما يخطيء من يعتقد أن فض التجمع عند منزل الشيخ عيسى قاسم حفظه الله، بالقوة وإراقة الدماء كان انتصارا للطاغية وعصابته. كما يخطيء من يعتقد ان فضّ التجمع الوطني بميدان اللؤلؤة وقتل عدد من المخيّمين فيه في العام 2011 كان ضرورة أو أنه سجّل للحكم الخليفي انتصارا على الشعب. فما حدث في “ساحة الفداء” بمنطقة الدراز كان عدوانا كاسحا استخدمت فيه وسائل القمع والقتل، ودعمته قوى إقليمية ودولية تصرّ على إبقاء البحرين في حالة توتر دائم بدون التوصل إلى حلّ وطني يوفر الحد الأدنى من الحقوق السياسية والمدنية. كانت تلك المواجهة مقدمة لولادة حراك شعبي متواصل يكشف حقيقة الحكم الخليفي ويدفعه للاعتراف بتطبيعه مع قوات الاحتلال الإسرائيلية وانفصاله الكامل، سياسيا ونفسيا وأيديولوجيا، عن اللحمة الوطنية الشريفة. فقد نجم عن تلك المواجهة إبعاد سماحة الشيخ عيسى قاسم وتوسيع دائرة المعارضة وتعميق الشروخ بين المواطنين والعصابة الخليفية. وبذلك تحوّل الوضع إلى ساحة مفتوحة من الصراع بين الطرفين، بدون وجود أفق لحلٍّ متوافق عليه لتجنيب البلاد مخاطر التوتر والتصدع الأمني والسياسي.

حسنا فعل المواطنون بإحيائهم ذكرى العدوان الخليفي على الشعب وعالمه الديني الكبير، فهي ذكرى أليمة اختلطت دماء الأبرار فيها بهتافات الشرف والكرامة، وكانت وستبقى منطلقا لنداءات الحرّيّة والاستقلال من الهيمنة القبلية المطلقة التي مارسها الخليفيون وسعوا من خلالها لتهميش السكان الأصليين واستبدالهم بالأجانب. لقد كانت المواجهة في “ساحة الفداء” استحقاقا سياسيا كبيرا بعد عقود من الاضطهاد والتهميش، وبعد الإعلان عن خطوات لفرض واقع جديد على البلاد يعيش السكان الأصليون فيه على هامش الحياة بلا نفوذ أو أهمية أو دور. ساعة الاستحقاق هذه أحرجت الطاغية فاندفع، بغريزته الدموية الحاقدة، لإراقة الدماء وإزهاق الأرواح وتمزيق اللحمة الوطنية. كل ذلك لهدف واحد: منع قيام توافق وطني حول مطالب التحول الديمقراطي في البلاد. فالطاغية يخشى الوحدة الوطنية ويراهن على تفتيت الشعب وإبقاء خطوط التمايز المذهبي والعرقي قائمة. لقد قطع الشعب أشواطا لتوحيد الصف الوطني ومنع التصدع المذهبي، كما نجح في بلورة مطالب واضحة تحاصر العصبية القبلية وتظهر الحاكم وعصابته على حقيقتهم خصوصا في مجال الحرّيّات العامة والقضايا القومية واستقلال القرار السياسي وعلى مستوى العلاقات الخارجية. وفي كل هذه الجوانب لا يحقق الخليفيون إلا المزيد من الخيبة والتراجع والفشل. لذلك فكلنا ثقة بالله القادر على نصر المستضعفين ومحق الظالمين والمستبدّين والعملاء والخائنين، وهو حسبنا ونعم المصير.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفكّ قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية

23 مايو 2025

زر الذهاب إلى الأعلى