أيها البحراني: نضالك يعني تشبثك بإنسانيّتك، فاصمد بوجه الطغاة
عندما تتوافق شكاوى المعتقلين السياسيين حول غياب الرعاية الصحيّة المناسبة، تصبح هذه القضية مصدر قلق شديد ليس لعائلاتهم فحسب، بل للجهات الحقوقية المحلية والدولية. فالسجين له حقوق كأي مواطن آخر، سواء كان اعتقاله لأسباب سياسية أم جنائية. فبالاضافة لمسؤولية الحكومة عن توفير الطعام والشراب للسجناء، فمن حقهم كذلك الحصول على رعاية طبّيّة مناسبة. فإذا أخلّت إدارة السجن بواجباتها الإنسانية أصبحت شريكة في التهم التي توجه لنظام الحكم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وهذه الجرائم لا تتساقط بالتقادم، ونهيب بالجهات الحقوقية والقانونية توثيق هذه الجرائم للنظر فيها عندما تسنح الفرصة، فالخليفيون لن يتصدّوا لمرتكبيها يوما لأنهم جلّادون كذلك. وبرغم علمهم بأن التعذيب جريمة ضد الإنسانية، لم يحدث قط أن اتخذوا موقفا لمقاضاة أحد من جلّاديهم الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق السجناء السياسيين البحرانيين. لقد أصبح اضطهاد المواطنين ممارسة دائمة تمثل الحالة الاعتيادية وليس الشاذة. ولذلك لم تتوقف محاولات رفع الضيم، وهي محاولات بدأت قبل أكثر من مائة عام وما تزال تتواصل في شكل احتجاجات وإضرابات وتصريحات وكتب ومحاضرات. وإذا صمت المواطنون في بعض الأحيان على ما ينالهم من الضيم والظلم، فليس ذلك إقرارا بذلك، بل رغبة في تفادي سفك الدماء بانتظار الفرج الذي لا بدّ أن يتحقق يوما لأن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين به، وذلك وعدٌ غير مكذوب.
لقد عانى البحرانيون الأصليون (شيعة وسنة) من ظلم الحكم الخليفي منذ عقود، ومن مصاديق ذلك حرمانهم من حقهم في إدارة بلدهم من خلال صناديق الاقتراع. فلم يعودوا قادرين على المشاركة في تشريع القوانين أو الانظمة الإدارية، أو اختيار الحكومة وأعضائها من الوزراء. كما ليس من حقهم المشاركة في صنع القرار السياسي او العلاقات الخارجية للدولة. بل أصبح الخليفيون يعاملونهم مواطنين من الدرجات الدونية. وهذه الحقيقة تفسر في بعض جوانبها سياسات الاضطهاد والتهميش والاستعباد، كما تفسر كيف أصبحت السجن فرصة للانتقام والتشفّي من الضحايا الذين يعتقلون تعسفا ويتعرضون لأبشع أنماط التنكيل والتعذيب. إنه ليس وضعا يمكن السماح باستمراره لأنه مخالف للفطرة البشرية والقوانين الإنسانية والقيم السماوية. فلقد كرّم الله البشر ومنحهم حقوقا واضحة واعتبرهم أحرارا لا يجوز لأحد استعبادهم. فالتكريم الإلهي الذي نصت عليه الآية الكريمة “ولقد كرّمنا بني آدم” يتضمّن صون حقوقه كاملة وعدم سلب شيء منها. فليس من حق المخلوقين سلب المنح الإلهية التي وهبها الخالق لعباده. فإن فعلوا ذلك فقد وضعوا أنفسهم شركاء لله في الحكم، والله يقول بشكل واضح ليس فيه لبس أو غموض: “ولا يُشرك في حكمه أحدا”. فهؤلاء المتألّهون يمارسون شركا ظاهرا بتغيير ثوابت الدين التي تنص على كرامة الإنسان وحرّيّته. ويؤكد القرآن الكريم رفضه المطلق للشرك مؤكدا “إن الشرك لظلم عظيم”.
يستغرب الكثيرون من الظاهرة الثورية البحرانية التي لا توجد بالنمط والحجم نفسه في الدول الخليجية الأخرى. ويتساءلون: لماذا؟ وكيف؟ وإلى متى؟ ليس جديدا القول بان كافة شعوب الخليج تدرك معاناة البحرانيين في ظل الحكم الخليفي، وأنهم مضطهدون ومهمّشون ومستضعفون، برغم أنهم السكان الاصليون للبلد الذي احتله الخليفيون بالقوّة. والشعور بالاستضعاف قد يكون سمة سلبية وقد تؤدّي بالبعض للخنوع والاستسلام، ولكنها أيضا يمكن أن تتحول إلى قوة دافعة نحو التغيير خصوصا إذا استمرت طويلا. فالشعوب قد تضعف حينا ولكنها لا تستسلم للطغاة مهما تفرعنوا. إن الاستضعاف شعور يخالج الطرف الذي يشعر بقوة وهمية فيسعى ليس لبسط هيمنته على الطرف الآخر فحسب، بل لإبقائه رهينة لديه يتصرف فيه كما يشاء. ولا يذكر التاريخ أن هذه الحالة حققت لمن يمارسها انتصارا أو استقرارا، بل أنها في أغلب الأحيان دفعت المستضعفين للنهوض لاسترداد إنسانيتهم وحقوقهم وتمرّدوا على الطغاة الذين استضعفوهم. والقرآن الكريم تطرّق لظاهرة الاستضعاف وأهاب بضحاياها للنهوض والدفاع عن أنفسهم: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستعضفين في الأرض، قال: ألم تك أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ ويتضح كذلك أن الركون للاستضعاف ظلم للنفس، وفي ذلك تقصير عن أداء الواجب. بل أن القرآن الكريم اعتبر النهوض للدفاع عن المستضعفين مسؤولية تقع على كاهل المؤمنين.
قال تعالى: “وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا.” فبدون التصدّي لمن يمارس سياسة الاستضعاف تفسد الأرض وتضيع حقوق البشر وتتلاشى العدالة.
إن الإيمان الحقيقي لا يقبل بالاستسلام للاستضعاف الذي يمارسه المستكبرون، ويهيب بضحاياه النهوض لإنهاء تلك الحالة من أجل استعادة التوازن في المجتمع. فلا يمكن أن يتشكّل المجتمع بدون أن يشعر أبناؤه بأنهم متساوون في الحقوق والمسؤوليات، وأنهم محميّون في ظل الجماعة. فبقاء الظالمين على رأس هرم السلطة لا يخدم المجتمع ولا يحقق المساواة والعدالة. فلا بد من مقارعتهم كمسؤولية إنسانية، بل كواجب ديني. إن التصدي للظلم والظالمين من أهم مسؤوليات المؤمن الباحث عن قيم الدين والعامل من أجل نيل رضا الله سبحانه وتعالى الذي لا يرضى لعباده الذل الناجم عن الاستضعاف والظلم. ويخطيء من يعتقد أن الدين يقبل بالتعايش مع الظلم والظامين أو يقرهما أو يقبل لأتباعه بالتعايش معهما او غض الطرف عنهما. فقد جاء أنبياء الله لتحقيق أمر واحد: توحيد الله سبحانه، وهذا التوحيد لا يتحقق إذا شعر البشر أنهم منقادون لغيره، خانعين أمام الطغاة الذين يمنحون أنفسهم حق مشاركة الله في حكمه، ويسعون لاستعباد البشر الذين هم عبيد لله وحده، وأنهم جميعا متساوون في كل ما تقتضيه إنسانيتهم.
إن الصراع من أجل تحقيق المساواة بين البشر جديد – قديم، والمساواة بقيت عنوانا لنضال الأجيال والشعوب، لأن الله غرس في نفس الإنسان حبّ الحرّيّة والاستقلال وتكوين الشخصية القائمة بذاتها التي لا تستمد شرعية وجودها وقوتها إلا من الله تعالى. ولذلك كان المستكبرون والطغاة أكبر أعداء رسالات السماء، وقد تصدّوا عبر العصور لأنبياء الله بالقتل والتنكيل. قال تعالى: إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم”. فالصراع من أجل تثبيت القيمة الإنسانية للبشر لا يتوقف، وما أكثر الذين رفعوا شعار حماية الإنسانية من الطغيان والاستبداد، واستشهدوا على ذلك الطريق الطويل. إنه صراع تاريخي يتشرف من يلتحق به ماضيا وحاضرا. صحيح أن البعد الديني للصراع من أجل الحرّيّة جليٌّ وعميق، ولكن الله سبحانه وتعالى فطر النفس البشرية على تلك القيم فأصبحت مرتبطة بفطرته التي تحرّكه على طريق الحرّيّة. وقد استوعب الإمام الحسين عليه السلام هذه الحقيقة فخاطب الذين قاتلوه يوم العاشر من المحرم: “إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم”. إنها الإرادة الإلهية التي شاءت أن تتعمق مشاعر الحرّيّة والإنسانية في النفس البشرية لتصبح دافعا للإنسان للتحرّك من أجل إنسانيته وكرامته، وعدم الاستسلام أو الخضوا لإملاءات الطغاة. من هنا نهيب بأبناء شعبنا الاستمرار في طريق استعادة حقوقهم لتحقيق إنسانيتهم، كما أراد الله. إن تصدّيهم للطغيان الخليفي متصل بهذا الهدف النبيل، فليصبروا وليصمدوا وليكن الله حاضرا أمامهم في نضالهم المشروع، يتوكلون عليه، ويستمدون العون منه، فهو ناصرهم وهو نعم المولى ونعم النصير
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
2 مايو 2025