بيانات حركة أحرار البحرين

ذكرى الثورة تحرّك مشاعر الأحرار وتقلق الطغاة

إذا كان الحكم الخليفي قد فتك بالثورة التي كانت الكبرى في تاريخ البلاد، ونكّل بالمشاركين فيها، معتقدا أنه قضى عليها، فما أبعده عن الحقيقة. ربما غابت مظاهرها بعد تكرر العدوان الخليفي على دوّار اللؤلؤة، ولكن أوار الثورة ما يزال مشتعلا في قلوب البحرانيين، لا يستطيع أحد إخماده. فهو نار تتوقد في النفوس الغاضبة، وفكر يتحرك في الأذهان بدون توقف، وشعور ىختلج في داخل الأحرار بدون انتهاء. فالجيل الذي أضاء شعلة الثورة ترعرع وأصبح أكثر نضجا ووعيا لحيل قوى الثورة المضادة، وأدرك قدرا من آليات عملها وأنماط تفكيرها. هذا الجيل انصهر في بوتقة مشروع التغيير فاحتضن الثورة طريقا لتحقيق ذلك. فهو الذي رفض توقف الحراك تماما، وساهم في توفير ظروف استمرار الاحتجاجات والتظاهرات بدون توقف طوال اربعة عشر عاما. قد يُسجن، ولكن إشعاعه يخترق جدران السجن ويصل إلى الشارع البحراني ليضيئه، ليستطيع الثائرون السير على هداه. وقد يُستشهد، ولكن روحه تبقى محلّقة في فضاء البحرين تخاطب القلوب وتحرّك الضمائر وتدفع الأحرار للاستمرار في السير باتجاه الأهداف. إن الثورة ليست ظاهرة عابرة أو تجمّعا بشريا طارئا يستطيع الطاغية، بما لديه من قوة، اقتلاعه. هذا التجمع البشري تمتد جذوره إلى أعماق الأرض فهو كالشجرة الباسقة، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

جاءت قريش بقضّها وقضيضها للقضاء على شعلة الثورة، كما فعل أسلافهم مع رسالة محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، فما استطاعوا لذلك سبيلا. رفعوا شعارات القبيلة، وتداعت بقية القبائل لدعم رموز الظلم، ولكن هيهات أن يجدوا لذلك سبيلا. لقد ارتكبت قريش بحق محمد وأتباعه أبشع أصناف التعذيب والتنكيل، وتقوّلوا على الرسالة وصاحبها بأبشع الادّعاءات، فما ازداد المؤمنون برسالة السماء إلا إيمانا وتصديقا. هذا هو سر عظمة الرسالات الهادفة للتغيير. وعندما وقف البحرانيون صفا واحدا على أرض دوار اللؤلؤة كانوا يعبّرون عن أهداف مقدّسة تهدف لتكريم الإنسان وتحريره من عبادة الأصنام القبلية التي أضفت على نفسها صفة القداسة، وهي في أسفل مستويات الأخلاق والإنسانية، فليس في قلوبهم رأفة على أحد، وليس لهم من همٍّ سوى السلب والنهب والتضليل والاستعباد. وقف الرهط الثائر هاتفا بالحرّيّة والكرامة، ورافضا الهيمنة القبلية المقيتة، فإذا بحشود القبائل تخترق الحدود وتأتي بجيوشها الجرّارة للقضاء على حاملي لواء التغيير. فاستشهد من استشهد، بدءا بعلي عبد الهادي مشيمع وفاضل المتروك وعلي المؤمن، وصولا إلى أحمد فرحان وبقية الشهداء الأحرار. لقد سالت دماء هؤلاء على أرض الوطن، من أجل الحرّيّة والكرامة، ولكن القلوب الجامدة لدى الطغاة لم تتحرك خطوة واحدة لحقن دماء الأبرياء، فاستمر العدوان القبلي على البحرين وأهلها بدون توقف طوال أربعة عشر عاما، واعتقد زعماء القبائل أنهم قادرون على كسر شوكة الثائرين، واقتلاع الثورة من جذورها. ولكن اتضح لهم الآن استحالة ذلك. فالثورة لم تتوقف طوال الحقبة الماضية، وإنما استمرت بدماء جديدة، بل أن بعض المشاركين فيها اليوم لم يولد عندما انطلقت ثورة 14 فبراير، بل كان في أرحام الأمهات يرضع من حليبها فنون التمرّد والثورة.

ما أجمل تاريخ الحراك في بلدنا العظيم. صحيح أنه صغير بمساحته ولكنه كبير بأهله وثواره وعلمائه ونسائه وشبابه. وحريٌّ بمن يتطلّع للتغيير في البلدان الأخرى أن يعيد قراءة ثورة البحرين وظروفها وفصولها ليكتشف كنزا من العطاء الثوري ليس له حدود، ومعينا من الفكر الهادف لا ينضب. إن صحوة الضمير إذا حدثت تغيّر القلوب والعقول، وتحرّك الجماد وتضع البشر على طريق الحرّيّة وتعيد لهم إنسانيتهم التي يسلبها الطغيان. إن الثورة تعبير عن حيوية الشعوب الرافضة للاستعباد والظلم، وعنوان لظلامتها ومؤشر واضح لرغبتها في الانعتاق من الاستبداد. وفي مثل هذه الأيام قبل أربعة عشر عاما انطلق العديد من الشعوب العربية في ثوراتها لتبدأ تاريخا جديدا في المنطقة بعد عقود من التراجع والتخلف والانهزام. كان ذلك القرار مخالفا لإرادة جهات ثلاث تضافرت جهودها بهدف إسقاط تلك الثورات: أنظمة الحكم التي شعرت بخطر حقيقي على وجودها من قبضات الشباب الثائر الذي كانت حناجره تردّد شعارات لم تُرفع من قبل: الشعب يريد إسقاط النظام. والاحتلال الإسرائيلي الذي يؤمن بأن وجوده لا يدوم إلا في ظل استبداد الانظمة العربية وإبعاد الشعوب عن القرار السياسي. أما الطرف الثالث فكان الدول الغربية التي تصرّ على بقاء الوضع الراهن كضرورة لحماية الأنظمة العربية المتحالفة مع الغرب وكذلك أمن “إسرائيل”. هذا التحالف غير المقدس الذي أطلق عليه آنذاك “تحالف قوى الثورة المضادة” لم يأل جهدا في محاولاته إجهاض الثورات العربية. وقد أثخنت تلك الشعوب بالجراح، فقتل المئات من شبابها واعتقل الآلاف، وشردت أعداد هائلة من الأوطان. ومنذ ذلك الوقت شهدت المنطقة العربية صعودا لحالة القمع وأشكالا من الاستبداد والديكتاتورية. وازداد الوضع تردّيا بدخول أمريكا على الخط بشكل فاعل ودفع بعض الحكومات العربية للتطبيع مع العدو الإسرائيلي. ونجم عن تلك التحركات أوضاع غير مسبوقة من الاستبداد والقمع والتوتر ما تزال مستمرة مع تغوّل ظواهر القمع السلطوي وأنماطه.

فماذا عن ربيع عربي جديد؟ هذا ما كان المناضلون يأملون حدوثه، استنادا لإيمانهم بحتمية التغيير واستحالة استمرار الظلم وعمق الرغبة في التحول الديمقراطي والحريات العامة. قد يبدو هذا الأمل، في ظل الوقائع الحاليّة، ضربا من الخيال، نظرا لتغوّل الاستبداد واستمرار أنظمته في تغيبب رجال التغيير وراء القضبان. ولكن من كان يظن أن العالم العربي قبل أربعة عشر عاما، كان سيتعرض لسلسلة من ثورات الربيع العربي التي أطاحت ببعض الأنظمة وأسقطت بعض الرؤساء قبل ان تتعرض لعدوان غاشم من قبل تلك الأنظمة وداعميها في الغرب. فالتغيير حتمية لا يستطيع أحد منع حدوثها لأنها مرتبطة بالسنن الإلهية التي تقضي بذلك. قد لا يتكرر حدوث نسخة مما حدث في العام 2011، ولكن تصدّي الجماهير للحكام المستبدّين لن يتوقف، فذلك جانب من السنن التاريخية الحتمية. صحيح أن بعض الحكّام، خصوصا في منطقة الخليج، يتربّعون على ثروات وأموال هائلة ساعدتهم على شراء مواقف بعض الدول الغربية، ولكن الطوفان الشعبي، إذا حدث، تسقط أمامه كافة القوى المحلية والدولية، وما أكثر الشواهد على ذلك. وليس هناك ضرورة للجدل العقيم حول حتمية حدوث انتفاضات شعبية عارمة في البلدان العربية المحكومة بالاستبداد كالبحرين والسعودية والإمارات، والأجدى فتح الحوارات الضرورية حول آفاق التغيير وآلياته. كما يتطلب ذلك تصعيد العمل وسط الجماهير العربية بالاستفادة من الفرص المتاحة ووسائل الإعلام، أو على الأقل وسائل التواصل الاجتماعي. فما تشهده المنطقة العربية من جمود سياسي قاتل وغليان متفجّر في نفوس الشباب والكبار بسبب الضغوط السياسية التي يمارسها الطغاة والمستبدون، لا يمكن استمراره طويلا، والأرجح تكرر سيناريو الربيع العربي ولو بأنماط أخرى. إن شعبنا البحراني يعي تلك الحقيقة ويعيشها يوميا، خصوصا مع استمرار اكتظاظ السجون بمعتقلي الرأي واستمرار السياسات الخليفية المحلّيّة والإقليمية المتناقضة مع مواقف الشعب وتوجهاته. إن هاجس التغيير ما يزال يتحرك في العقول والأذهان، ومشاعر الأمل لا تفارق النفوس. فلا بدّ من فجر بعد الليل الدامس، فإن مع العسر يسرا.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين.

حركة أحرار البحرين الإسلامية
31 يناير 2025

زر الذهاب إلى الأعلى