بيانات حركة أحرار البحرين

القضاء العادل حجر الزاوية في الدولة الحديثة

القضاء من أهم ما يميّز الدولة الحديثة التي يفترض ان يكون فيها منفصلا عن السلطات الأخرى. وهذا الفصل يجعل الحاكم خاضعا للقانون كغيره من المواطنين، وبذلك يتجلى أحد جوانب المواطنة المتساوية. وفي بلداننا التي يكون الحاكم وحزبه أو قبيلته أو عصابته فيها “فوق كل السلطات” تتلاشى العدالة تماما لأسباب عديدة: أولها أن دساتير هذه البلدان تنص على أن ذات الحاكم مصونة، فلا يجوز التعرض لها بالنقد أبدا. ثانيها: أن الحاكم نفسه أو جهازه هو الذي يعيّن القضاة، فيصبح هذا الحاكم “وليّ نعمة” القاضي، فيفقد نزاهته ولا يستطيع ان يساوي في حكمه إذا كان الحاكم أحد الطرفين في القضايا المرفوعة. ثالثها: أن الثقافة التي تعم الأجهزة القضائية تنطلق من الانصياع لإرادة الحاكم، فلا يستطيع أحد التمرد عليه أو الاعتراض على ما يقول أو يفعل. وفي غياب استقلال القضاء تغيب العدالة وتتغير بوصلة البلاد والمجتمع. ويكفي الإشارة ألى أن القضاة يعينهم القصر الملكي الذي يعتبر المسؤول الأول عن اضطهاد الشعب ودعم تسلط العائلة الخليفية واستبدادها وديكتاتوريتها وظلمها. وهو الذي أمر بتشكيل المحاكم العسكرية المدعومة بالاحتلال السعودي الإماراتي لتنكل بالاحرار.
 
ولطالما عانى البحرانيون من انحراف جهاز القضاء في بلدهم. فقد يكون القاضي حائزا على أعلى الكفاءات، وقد يكون كذلك ذا شخصية مستقلة وضمير يقظ، ولكنه يظل محكوما بالنظام السياسي الحاكم الذي قام بتفصيل نظام القضاء على مقاساته. ولنطرح هنا بعض الأمثلة. فمن المفترض أن يكون التعبير عن الرأي حقّا مشروعا لكل مواطن، فلا يعتقل بسبب قوله أو موقفه. ولكن ذلك ليس معمولا به في البحرين أبدا. فإلقاء محاضرة تنتقد الحاكم أو أفراد قبيلته كفيل بتعريض المحاضر للخطر، كالسجن والتعذيب ثم الفصل من الوظيفة. أليس هذا ما حدث لرموز الوطن والشعب ليس فقط منذ 11 فبراير 2011 بل منذ الانسحاب البريطاني من البلاد في العام 1971. القضاء هنا يطبّق قوانين الحاكم المتجبّر الذي يعمل بالمقولة الفرعونية: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد. ويكفي الإشارة إلى الأحكام “القضائية” التي صدرت في الأيام الماضية لتأكيد هذه الحقيقة. فما الذي فعله الشاب مؤمّل علي منصور من بلدة المالكية لكي يصدر حكم “قضائي” بسجنه عاما كاملا؟ تهمته كانت المشاركة في “تجمع غير مشروع”، أي أنه شارك في تجمع شبابي وانتظم في مسيرة تطالب بالإصلاح. وما الذنب الذي اقترفه اربعة مواطنين من سترة والمعامير زج بهم في طوامير التعذيب وصدرت بحقهم أحكام بالسجن تتراوح بين ستة شهور واثني عشر شهرا. كان هؤلاء يشاركون في وقفة احتجاجية تطالب بالإصلاح السياسي والإفراج عن السجناء السياسيين. فطاردتهم عناصر التعذيب الخليفي واعتقلتهم ثم صدر “حكم قضائي” بسجنهم. أترى لو كان هؤلاء في بلد يتمتع فيه القضاء بحرّيّة كاملة، هل كان هذا الحكم بسجنهم سيصدر بشكل رسمي؟
 
ومما يعمّق مشاعر الغضب لدى الشعب إصرار الطاغية وعصابته على إبقاء رموز الوطن والشعب وراء القضبان بعد مرور قرابة الأربعة عشر عاما على سجنهم. والسؤال يتكرر هنا مرة أخرى: ما الذي ارتكبه هؤلاء؟ ما الذي فعلوه سوى تعبيرهم عن آرائهم؟ ليس سرّا أنهم عبّروا عن رغبتهم في التحول الديمقراطي في البلاد. فعلوا ذلك أمام الجماهير في دوار اللؤلؤة، وكذلك بعد تدميره ومحو أثره في أبريل 2011، بعد أيام قليلة من الاحتلال السعودي – الإماراتي العسكري للبلاد. بلغ بعض هؤلاء مرحلة متقدمة من الشيخوخة وما يزال مضطهدا في طوامير التعذيب الخليفية بلا رحمة أو شفقة. لم ينطق الاستاذ عبد الوهاب حسين أو حسن مشيمع أو الشيخ علي سلمان أو الدكتور السنكيس وبقية الرموز بشيء خارج عن القانون الدولي الذي يفترض أن يحمي حرّيّة التعبيربدون انتقائية. هؤلاء هتفوا بحرّيّة الوطن والشعب، وطالبوا بالتحول الديمقراطي، ودعوا إلى الشراكة والتعددية السياسية، ولم يحثوا أحدا على حمل السلاح أو اللجوء للعنف من أجل تحقيق ذلك. وشهد العالم ما كان يجري في دوار اللؤلؤة من تجمع سلمي وخطابات منطقية ودعوات للتحول الديمقراطي، فكان ذلك مصدر فخر للبحرين وشعبها. ولم يحدث أي عنف أو اضطراب أمني على مدى شهر كامل. ولكن العنف بدأه الطاغية وداعموه. أوّلًا أمر جلاوزته بالاعتداء على الدوار في ظلمة الليل وقتل خمسة من المواطنين كانوا ضمن المئات الذين تمركزوا في الدوار، ثانيا استقدم قوات الاحتلال السعودي والإماراتي لقمع ثورة الشعب بدون تخويل شعبي، بل بقرار من قصر الرفاع وحده. ثالثا: إنشاء المحاكم العسكرية لتتعامل مع رموز الوطن والشعب وتصدر أحكامها الجائرة بالسجن المؤبد بحق عدد منهم. فأين تلك المحاكم من القضاء العادل؟ ومتى كان العسكريون قضاة عادلين؟
 
لذلك لا يمكن وصف البحرين بعد الانقضاض على دوار اللؤلؤة وممارسة أبشع أساليب القمع والقتل والحرق، بأنها دولة آمنة أو مستقرة، لأن هناك شعبا يئن تحت وطأة حكمها الجائر، وهناك عائلات تبكي قتلاها وتتأوه على شهدائها بحرقة وألم. وفي الأيام القليلة الماضية أحيا المواطنون عيد الشهداء في 17 ديسمبر بزيارة قبورهم وإقامة الندوات وإصدار البيانات حول الجرائم الخليفية التي ارتكبت بحق البحرانيين، والتي يمثل قتل الأبرياء ذروتها. فمن جريمة العدوان على دوار اللؤلؤة إلى حقبة القمع التي لم يسبق لها مثيل إلى التطبيع مع العدو، هناك فصول متصلة من الخيانة الخليفية والجرائم ضد الإنسانية. كما أن هناك صعودا للشعور الوطني بضرورة تحرير الوطن من العهد الخليفي الأسود الذي كان وبالا على الوطن والشعب. وما المسيرات والوقفات التي نظمت لإحياء عيد الشهداء، والاعتقالات التي سبقته وأعقبته إلا تأكيد على تداعي الاوضاع السياسية والأمنية في البلاد. وفي هذه الأيّام حلّت كذلك ذكرى رحيل العالم الكبير والقائد البارز سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري الذي توفي في 18 ديسمبر 2006، وترك وراءه تاريخا نضاليا ناصعا، فأصبح ملهما للمواطنين الذين رأوا فيه “القائد الضرورة” في حقبة سوداء من تاريخ البلاد في ظل حكم الطاغية الحالي الذي عاث الفساد ونكّل بالبلاد والعباد. كان الشيخ الجمري عالما دينيا بارزا وشاعرا ومؤلفا وسياسيا من خلال عضويته بالمجلس الوطني، وكان كذلك قاضيا نزيها، فرحمه الله تعالى.
 
وكما تمّت الإشارة أعلاه فإن القضاء العادل هو الذي يوفّر للبلاد حصانة ضد الظلم والفساد والإجرام. ويستحيل وجود نظام قضائي عادل في ظل الهيمنة المطلقة لشخص او قبيلة على كافة مفاصل الدولة. فالقضاء الخليفي انتقائي بشكل كامل، فهو “يقاضي” الأبرياء ويتحاشى المجرمين الحقيقيينث. يصدر أحكاما مغلّظة بالسجن والإعدام بحق أشخاص مارسوا حقهم في التعبير السلمي والاحتجاج، ولكنه يتجاهل جرائم التعذيب والقتل التي يمارسها رموز العصابة الخليفية. فأي قضاء هذا؟ وأي نظام سياسي يستحق البقاء حين يمارس الظلم باسم القانون؟ وحين يستخدم القضاء أداة للانتقام من الخصوم. وأي عدالة تتحقق حين يكون القاضي هو الخصم؟ من هنا لم يعد هناك مجال لإصلاح الوضع السياسي في البحرين بدون حدوث تغيير جوهري في الهيكل السياسي للبلاد يمنح الشعب حقه في تقرير مصيره وكتابة دستوره وانتخاب حكومته. هذه رسالة الرموز للشعب، ورسالة الشعب للعالم في ذكرى عيد الشهداء، بأن الوضع البحراني لن يستمر على عواهنه، بل لا بدّ أن يتغير بشكل يعيد للشعب حقوقه الكاملة ومنها حق ممارسة السيادة على أرضه ونظام حكمه. ومع قرب العام الميلادي الجديد يجدد الأحرار عهدهم مع الله ومع شعبهم بالاستمرار في النضال حتى إسقاط نظام الاستبداد والقمع والخيانة، مستمدا العون من الله وحده، والله هو الناصر والمعين
 
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
 
حركة أحرار البحرين الإسلامية
20 ديسمبر 2024
زر الذهاب إلى الأعلى