بيانات حركة أحرار البحرين

يوم القدس العالمي: فلسطين تتألق في سماء النضال البحراني

ها هو شهر رمضان يقترب من نهايته بعد أن عاش المؤمنون خلاله حالة روحية متميزة، وعلاقات اجتماعية لا تتوفر في غيره من الشهور. وتميّز مؤمنو البحرين عن غيرهم بتفعيل قيمه ومفاهيمه، ولم يحصروا عبادتهم فيه على الصوم والصلاة والدعاء فحسب. فهذا الصائم الذي يرفع صوته نصرة للمظلوم وصرخة ضد الظالم كان يعي معنى فعله، ويرى ارتباطا وثيقا بين الجوانب العبادية فيه والأبعاد العملية لتلك العبادات. فالجوع الذي يشعر به يذكّره بجوع الملايين على كوكب هذا الأرض، ويفتح نفسه ومشاعره على معاناة الآلاف من المواطنين المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية. فهو لا يفصل بين الجوع الناجم عن الصوم، والجوع الذي يسببه الحرمان الخليفي. يعلم أن هناك عائلات بحرانية كثيرة تعاني أوضاعا حياتية صعبة لأن أبناءها معتقلون في سجون الظالمين وليس لها من يعيلها. ولذلك توجه الصائمون لدعم ضحايا التوحش الخليفي بدون تردد. صام هؤلاء بامتناعهم عن الأكل والشرب ولكنهم لم ينسوا أن صومهم لن يكتمل إلا بالتمرّد على الطاغوت الذي وقف مع المحتل الصهيوني قلبا وقالبا بوجه الفلسطينيين المظلومين الذين أمعن المحتلون في قتلهم بدون رحمة طوال الشهر. البحرانيون الصائمون كانت قلوبهم تعتصر ألما وهم يتابعون أنباء القتل الجماعي الذي حدث خلال الشهر خصوصا بعد إقدام المحتلين على هدم مستشفى الشفاء وقتل أكثر من 400 من المرضى والأطباء والممرضين في وضح النهار. بل عمد لقتل من يقدم الدعم للفلسطينيين حتى ضج العالم من جرائمه. وجاء استهدافه قافلة من موظّفي الإغاثة الدوليين وقتل سبعة منهم بدم بارد ليوقظ بعض القلوب النائمة لاستيعاب عمق الإجرام الصهيوني المدعوم من دول “العالم الحر”.

كان شهر رمضان الذي تصرّمت أيامه فرصة لكي يتعرّف شبابنا على هويته ويعرف أعداءه الحقيقيين وهم أعداء الإنسانية كذلك. في هذا الخضم المتسارع من التطورات كان الصوم مصدر وعي واستيعاب لمفهوم العبادة وما يترتب عليها من واجبات عملية، وكان الشباب البحراني مستعدا لهذا التجديد في فكره ووعيه واستيعابه ما يحدث حوله. لم يحصر عبادته بالامتناع عن الأكل والشرب فحسب، بل كان مرتبطا بالقرآن بشكل وثيق، يتلو آياته ويتدبّر معانيها ويسعى لتفعيل الأوامر الإلهية الهادفة لإقامة العدل على ظهر هذا الكوكب ومقارعة الظلم والتصدي للظالمين. وجد الشاب البحراني نفسه يواجه واقعا صعبا، ووجد أن صومه يسهّل مهمته. فلم يستطع تجاهل إضراب المعتقلين السياسيين بسجن جو واحتجاجات صغار السجناء بسجن الحوض الجاف. كان قلبه يخفق بحب الله والوطن والشعب، ويتلهّف لدعم المظلومين ولو بالكلمة. فخرج في تظاهراته هاتفا ضد الطغيان والاستبداد تارة وضد الاحتلال تارة اخرى. وأصرّ على متابعة أخبار الجبهات الساخنة في فلسطين والبحرين في آن واحد. ورأى إن إيمانه لا يكتمل إلا بتكامل عباداته مع أفعاله ومواقفه، وتعمّق إيمانه بأن الساكت عن الحق شيطان آخرس، وأن عليه ان يصدح بالحق ولو كلفه ذلك. ومر خلال الشهر الكريم بمحطات عظيمة تزود منها بالمزيد من الإيمان والتقوى كقيم أصيلة أضافها لما استوعبه من ذكرى غزوة بدر من دروس وعبر. أدرك وهو يقرأ ما جرى في السنة الثانية للهجرة بين المسلمين الجدد والقبليين القدماء حتمية المواجهة بين المؤمنين من جهة والكافرين والظالمين من جهة أخرى. وبذلك حقق لإيمانة كمالا لم يستطع تحقيقه إلا وهو صائم وبعيد عن إغراءات الدنيا وعبيدها.

لقد جاء ا ستشهاد الشاب حسين خليل إبراهيم الرمرام ليبقي ملف الصراع البحراني – الخليفي مفتوحا خلال شهر الصوم، ويحول دون محاولات القفز على الحقائق. وأكّدت التظاهرات التي خرجت سواء في موكب تشييعه أم بعدها عمق الوعي الشعبي بضرورة التحرك من أجل تحرير الوطن من أعداء الإنسانية الذين يقتلون البشر بدم بارد، ولا يرقبون في المؤمنين إلًّا ولا ذمّة.

مع اقتراب شهر الصوم الكريم من الانتهاء بدأ المواطنون استعدادهم للاحتفاء بيوم مهم في تاريخهم الهجري. ويمثل يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان، مناسبة مهمة لدى البحرانيين الذين لا يستطيعون تجاهل فلسطين وشعبها، بل يصرّون على دعمهم بما يستطيعون. فهم يعلمون أن موقفهم هذا مرفوض من قبل العصابة الخليفية التي تحكمهم بالنار والحديد منذ عقود، وأن هذا الرفض ترسّخ في السنوات الأخيرة خصوصا بعد أن أقام الطاغية وعصابته علاقاتت دبلوماسية مع كيان الاحتلال متجاهلا معاناة الفلسطينيين. وتمثل غزة رمزا للصمود والمقاومة، وفي الوقت نفسه تمثل عمق مأساة الأمة التي عجزت عن حماية أهلها، خصوصا في هذا الشهر الفضيل. فآلة القتل الصهيونية لم تتوقف يوما عن إزهاق الأرواح البريئة، حتى بلغ توحش المحتلين ذروته باستهداف موظفي الإغاثة. وفي الأيام القليلة الماضية قتلوا سبعة على الأقل من موظفي منظمة “المطبخ الدولي” التي تقدم عشرات الآلاف من الوجبات اليومية لسكان غزة المحاصرين. الصهاينة اعتبروا موظفي الإغاثة أعداء، كما اعتبروا استهدافهم هدفا مشروعا. وهكذا كان، فقد وجهت صواريخ قاتلة لقافلة الإغاثة بأحد شوارع غزة وقتلت سبعة منهم، من بينهم ثلاثة بريطانيين. أحدثت هذه الجريمة ضجة كبيرة في الأوساط الدولية، وأدرك البعض مدى ما يمكن أن يمارسه المحتل الإسرائيلي من إجرام بحق البشر، حتى من غير الفلسطييين. وبذلك أكد المحتلون أنهم أعداء للحياة والإنسانية قاطبة، وأن الحماية الغريبة خصوصا الأمريكية لهم غير أخلاقية أو منطقية. فما ذنب أولئك الموظفين سوى أنهم يقدّمون الطعام للجياع؟ ولكن نتنياهو وعصابته يرون في ذلك خرقا لقرارهم بحرمان أهل غزة من الغذاء والدواء، فلا بد أن “يدفعوا الثمن”. وقد أثبت هذا الثمن أنه باهض جدا. وبرغم الضجة الأعلامية التي حدثت مستنكرة الجريمة فليس متوقعا اتخاذ إجراءات رادعة لكيان الاحتلال.

إن قتل موظفي الإغاثة محزن جدا، وهو جريمة مروّعة من الدرجة الأولى. وسيظل العالم متعاطفا مع ذويهم الذين فجعوا بفقدهم. هذا العالم مطالب كذلك بتعاطف عملي مماثل مع أهل غزة الذين يقتل المئات منهم يوميا. فآلة القتل الصهيونية تحصد أرواح الأبرياء، رجالا ونساء وأطفالا، بأساليب مروّعة كشفتها الجرّافات التي داست أجساد ضحايا القصف الإسرائيلي المتكرر للعمارات السكنية، وكانت مناظر مقززة بدون حدود. فما معنى هذه الاستهانة بالروح الإنسانية والاستهتار بقيمة الحياة وقداسة البشر حتى بعد موتهم؟ لماذا هذه المعاملة التي لم تحدث منذ عقود، وليس لها مماثل إلا في حالات نادرة خلال الحربين العالميتين. لقد بلغ السقوط الأخلاقي والإنساني المروّع لكيان الاحتلال الصهيوني مستويات غير مسبوقة، ويفترض ان يقف العالم متكاتفا لمعاقبة حكومة الاحتلال بلا هوادة. هذا التدنّي في المعايير الأخلاقية يدفع الطغاة لارتكاب جرائمهم بدون الخشية من موقف رادع من المجتمع الدولي الذي تهيمن عليه القوى الداعمة للاحتلال والاستبداد. وفي خضمّ هذا التراجع لا تبقى للإنسان قيمة، وتصبح حياته رخيصة، وتصبح بندقية القتلة صاحبة قرار الموت والحياة. لذلك لا يهم طاغية البحرين معاناة المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام في سجن جو احتجاجا على عزل بعض السجناء في ما يمكن اعتباره “سجناء انفراديا”، وبعض هؤلاء يعانون من أمراض عديدة. كما لا يهمه تداعي صحة رموز الشعب والوطن سواء الأستاذ حسن مشيمع الذي ساءت صحته كثيرا حتى أصبح غير قادر على  الحركة وهو في زنزانته الانفرادية، أم الدكتور عبد الجليل السنكيس الذي تلاشى جسده تدريجيا نتيجة إضرابه عن الطعام منذ أكثر من 1000 يوم. برغم ذلك أصبح الصمود عنوانا للتحدي بين البحرانيين والخليفيين على كافة الساحات، والسجن أحدها. وندعو الله في هذه الأيام الأخيرة من شهر الصوم أن يكلل جهود النشطاء البحرانيين بالنصر والظفر وأن يحرّر البحرين من جلّاديها ومحتلّيها، إنه سميع مجيب الدعوات.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية

5 أبريل 2024

زر الذهاب إلى الأعلى