بيانات حركة أحرار البحرين

في أجواء أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية

تمر على الأمم أعياد يحتفون بها وفق عاداتهم، وتمثل لهم محطات حياتية مهمة تربط الأجيال المتعاقبة، وتلم شمل الجيل الحاضر منها. في هذه المناسبات يتسابق الآباء لإدخال الفرحة في نفوس الأبناء، والخروج على الروتين المألوف لكي لا تجمد الحياة وتضمر الحركة. وأعياد الميلاد أصبحت تمثل محطة محورية في السنة الميلادية، يتم الاحتفاء بها بما يتجاوز المعتاد، وقد يصبح مفرطا. وسواء كان مولد المسيح عليه السلام، كما يعتقد بعض مسيحيي الغرب، في 25 ديسمبر، ام كما تعتقده الكنيسة الشرقية في 6 يناير، فإن الأمر المهم أنها تمثل حدثا مهما لديهم لا يضاهيه حدث آخر. أما المسلمون فيحتفون بأعيادهم الخاصة بهم كعيدي الفطر والأضحى، ويحتفي المسلمون الشيعة بعيد الغدير، في 18 من ذي الحجة وهو اليوم الذي نصّب فيه النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإمام عليا وصيا له وخليفة بعده. والاحتفاء بالأعياد عادة قديمة تتجدد في الأساليب ولكنها تظل محطات في تاريخ الأمم وممارسات المجتمعات. وقد تطغى السياسة عليها أحيانا ولكنها ترتبط بوجدان البشر ومشاعرهم ومعتقداتهم، وتحظى باحترام واسع مع تعدد القناعات والتوجهات. فلا يستطيع أحد تجاوزها أو القفز عليها او التصدي لها بالإساءة لانها اصبحت مرتبطة بعادات الشعوب وتقاليدها.  

في جميع هذه الحالات تبرز حقيقة مهمة تشغل بال العائلات في البلدان التي تعاني من اضطراب سياسي كالبحرين. في هذه البلدان يرزح الكثيرون من البشر وراء قضبان السجون، بأوامر من حكامهم الطغاة. وتبرز البحرين كواحدة من تلك البلدان، بل لعلها أكثر بلدان الخليج اضطرابا، وأوفرها سجونا، وأكثرها معتقلين سياسيين. في هذا البلد المعذب تكتظ المعتقلات بالسجناء الأبرياء الذين لم يرتكبوا جرما سوى المطالبة بالإصلاح السياسي الذي ينهي الحقبة الخليفية السوداء. وقد مارس المواطنون حقهم المشروع بالمطالبة بالتغيير بأساليب سلمية، وقدموا من أجلها تضحيات كبيرة على مدى نصف القرن الماضي، ولكنهم ما يزالون يعيشون الأسى خصوصا مع استمرار الاضطهاد. ففي الأسبوعين الماضيين حلت ذكرى عيد الشهداء بينما احتفلت العصابة الخليفية بذكرى عيد جلوس أحد طغاتها قبل 62 عاما. وشتان بين الذكريين، وكذلك بين أساليب إحيائهما. فالشعب أحيا عيد الشهداء بالاحتجاجات والبيانات والتعليقات، وكذلك زيارة قبور الشهداء وعائلاتهم، وكانت مناسبة لإعادة اللحمة وتقوية الأواصر وتعميق القناعة بدور الشهداء في التأسيس لمجتمع بحراني ؛ر في المستقبل المنظور، بعد انتهاء الحقبة السوداء الخليفية. وعلى الطرف الآخر حاول الطاغية وعصابته الترويج لعيد جلوسهم، ولكن بدون جدوى. فقد اقتصرت دوائر الاحتفاء على البيت الخليفي وعملائه، ولم يشاطرهم المواطنون في ما يعتبرونه محطة سوداء في تاريخ البحرين إذ كرست الحكم المطلق والهيمنة القبلية على شعب متحضر. وتوجهت مشاعر المواطنين إلى ضحايا هذا النظام الفاشي الذي يسجن ويعذب ويقتل بدون حساب.   

أعياد الميلاد في العالم الغربي تحوّلت إلى مناسبات اجتماعية تطغى عليها ظواهر سطحية كتبادل التبريكات والهدايا والأنشطة الاجتماعية في المدارس، كما تحتوي على بعض الفعاليات الدينية في الكنائس. ويندر ان يكون لتلك المناسبات أدوار تثقيفية حقيقية أو تنويرية تتطرق لدور الدين في الحياة وتكشف الأدوار التي قام بها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وما حث عليه من تعميق الإيمان والارتباط بالله سبحانه وتعالى، وكذلك ما انطوت عليه حياته من ممارسات إنسانية وتوجيهات أخلاقية وروحية. صحيح ان خطب القسسة في الكنائس تتطرق لشيء من ذلك، ولكنه تحاول دائما شخصنة المناسبة والحديث عن المسيح كشخص، بدون ان يتم التركيز على تعليماته كتوجيهات إلهية تتخذ صفة الأحكام والقوانين. ويمكن اختصار فكرة المسيح، في ضوء هذه الثقافة، أنه رجل مصلح يتمتع بخصال شخصية متميزة وأخلاق عالية. وبرغم ما يقولونه عنه من ألوهية، لا تبدو حياته وتوجيهاته ملزمة كما هو الحال في موقع الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في الإسلام. هنا يعتبر قول الرسول وفعله مصدرا أساسيا للتشريع بعد القرآن الكريم. ومن المؤكد ان هناك اهتماما بالدور الشخصي للرسول وانماط تصرفاته، ولكن أوامره ونواهيه تتمتع بصفة الإلزام للمسلمين. ولربما كان وضع المجتمعات الغربية سيتغير لو كان للمسيح وتعليماته دور محوري في توجيه الحياة، ولكن باختصار ذلك الدور برمزية دينية جامدة، لم تنعكس تعليماته وتوجيهاته على واقع الحياة العامة في الغرب. 

وإذا كانت المناسبات الدينية والاعياد في بلادنا تطل عادة في أوضاع محلية غير مستقرة، وأوضاع اجتماعية مضطربة وتوترات سياسية لا تنتهي، فان أوضاع البلدان الغربية تعاني هي الأخرى من تصدعات اجتماعية غير قليلة. فمع حلول موسم أعياد ميلاد المسيح عليه السلام، يعاني المواطنون في الغرب من أوضاع اقتصادية صعبة مع ارتفاع الأسعار والفائدة التي تثقل كاهل ذوي القروض الكبيرة. كما تعاني من ارتفاع عدد الذين يعيشون دون خط الفقر ويعتمدون بشكل كامل على المعونات الاجتماعية التي يحصلون عليها من الدولة. كما أن هناك معاناة من لا يملكون سكنا، بل يقضون أيامهم في الشوارع ولياليهم في العراء. هؤلاء البشر يعيشون بدون أمل في الحصول على مأوى او وظيفة او القدرة على تكوين عائلة. وبرغم نشاط منظمات الإغاثة ومؤسسات المجتمع المدني، فهناك حالة من الإحساس بفقدان الإنسانية لدى هؤلاء، خصوصا أن هذه الظواهر تتوسع باستمرار  بسبب توسع الفجوة بين مستويات الدخل بين الأغنياء والفقراء. ومن نتائج ذلك او بموازاته تتضاعف الصغوط على العلاقات الاجتماعية، فما أكثر حالات الطلاق، وما أشد معاناة الأطفال سواء في الأجواء العائلية غير المستقرة أم في مؤسسات الرعاية الاجتماعية ورعاية الأيتام. هذا القطاعات تستقبل أعياد الميلاد بمعنويات هابطة وتطلعات متواضعة جدا، ومشاعر نفسية كئيبة، فتزداد حالات الانتحار والطلاق وتصدع العائلات، بالإضافة لتصاعد الأمراض النفسية والعقلية. إنها إحدى ظواهر المجتمع البشري الحالي الذي لم يزده التطور التكنولوجي سعادة، بل ربما أصبح أكثر تعاسة مع تصاعد الديون وتدني الدخل. 

ماذا يستطيع أتباع الأديان عمله؟ من المؤكد أن هناك دائرة واسعة للحراك الضروري والمثمر أمام من يدفعه ضميره للتحرك في الفضاء الا جتماعي. ففي مجتمعاتنا التي تعاني من الاضطهاد السياسي هناك مجال لمواساة عائلات المظلومين والمضطهدين والسجناء السياسيين، وهذه مساحة تتطلب المزيد من الجهود للتخفيف من ضغط الأوضاع على العائلات. أما المجتمعات الغربية فهي  الأخرى مطالبة بالاهتمام بأوضاعها الداخلية، وهناك مجالات واسعة أمام أصحاب الخير والنشطاء الإنسانيين لعمل المزيد من أعمال الخير والإغاثة والمواساة والدعم النفسي والروحي. وبدون ذلك سيتم التخفيف من معاناة قطاعات واسعة من البشر في الوقت الذي يتطلعون فيه للاحتفاء بأعياد الكرسمس والسنة الميلادية الجديدة. إن دائرة النضال لا تنتهي عند حدود السياسة، بل تشمل معاناة الآخرين وتتطلب مساندتهم للتغلب على ظروفهم الحالة. فالدين المعاملة كما يقال، وقد أدى السيد المسيح عليه السلام ونبينا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام دورهما ورسالتهما، وبقي على الأتباع إيصال ذلك للآخرين، ولا يكفي الالتزام الشخصي بالجوانب الروحية فحسب، بل مطلوب منهم تطوير الاهتمام ليشمل البعد الاجتماعي كذلك. فإن حدث ذلك فسيكون للدعوة الدينية معناها، وسيكون للإنسانية دورها البنّاء في تخفيف معاناة البشر وتعميق الروحانية التي تؤدي للسعادة على المدى البعيد. 

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين  

حركة أحرار البحرين الإسلامية 

22 ديسمبر 2023 

زر الذهاب إلى الأعلى