بيانات حركة أحرار البحرين

الشعب يودع عاما ويستقبل آخر بآلام وآمال

عام يتصرم، وآخر يبدأ، وهكذا تتوالى السنون والآيام، وهل يستطيع أحد وقف حركة الزمن؟ هذه الحركة، بالإضافة إلى أنها تعني الحياة والتجديد، تعني كذلك تصرّم عمر الإنسان، فكل يوم يمر إنما ينقص هذا العمر. ولذلك فالعاقل من يسعى للاستفادة من عمره ووقته بالعمل الصالح وتقديم ما فيه صلاح الإنسانية. ولكن ماذا يعمل من يقضي شطرا كبيرا من عمره مسجونا وراء القضبان؟ لقد أجاد الكثيرون من السجناء السياسيين الاستفادة من وقتهم، فألّفوا الكتب ونظموا الشعر ورووا القصة، وما أروع ما قدموه للإنسانية. ولكن ذلك ليس متاحا لكل معتقل سياسي. فمثلا اضطر الدكتور عبد الجليل السنكيس التوقف عن تناول الأطعمة الصلبة أكثر من عامين مطالبا بإرجاع كتابه الأدبي الذي قضى أربع سنوات لأعداده، وةحتى هذه اللحظة يرفض الخليفيون إعادة ذلك الكتاب، خصوصا مع الدعم الأنجلو – أمريكي لسياساتهم وتصرفاتهم. فلم نسمع ان سياسيا غربيا رفع صوته مطالب الطغاة الخليفيين بإعادة الكتاب المذكور للدكتور السنكيس. ألا يعني ذلك أن الجهل صفة مشتركة بين الطغاة؟ ألا يعني تجاهل حق المفكرين في تدوين أفكارهم ورؤاهم؟ فلو أن سياسيا أمريكيا او بريطانيا جشم نفسه عناء طرح هذا الموضوع وطالب علنا بإعادة الكتاب إلى الدكتور السنكيس لكان الأمر مختلفا، ولما تحوّل الدكتور السنكيس إلى هيكل عظيم، ولما شعر الكتاب والمفكرون بالضيم والظلامة.  

قبل سنوات كتب الأستاذ حسن مشيمع كتابا وهو يرزح وراء القضبان، فكان مصيره المصادرة من قبل أعداء الفكر. فالطغاة الخليفيون لا يؤمنون بالفكر وليس في تراثهم ما يشير الى شغفهم به، إنهم يحاربون العلماء والمفكرين والكتّاب، ويرون في الفكر تأصيلا للحرية وتوسيعا لآفاقها. فما أكثر الكتّاب والشعراء الذين زج الخليفيون بهم في غياهب السجون بسبب ما يطرحونه من فكر إيماني وثوري يساهم في توعية الجماهير وتحريكها على طريق التغيير. هؤلاء المفكرون يروّجون فكرا حركيا ويرفضون الفكر الذي يؤدي إلى الجمود والتعايش مع الظلم أو يدعم الاستبداد والديكتاتورية. إنه صراع تاريخي بين أطروحتين، لكن منها منطلقاتها وأهدافها. وشعب البحرين أصر منذ القدم على الاحتفاظ بتميّزه عن العصابة الخليفية وذلك بالتمسك بتاريخه وعلمائه الذين كان لهم حضور في الميدان منذ الأيام الأولى للإسلام. واستمر خط العلماء حتى جاء الخليفيون بجهلهم وتخلفهم فعمدوا لإطفاء أنوار العلم، واجتثاث دوره القديمة والحديثة. فأعداء العلم يعشقون الجهل الذي يشجع الظلم ويرعاه، ويبعد أهله عن منابع الفكر الإسلامي التحرري الأصيل.  

منذ الاحتلال الخليفي للبحرين توالت العقود والأعوام، واحتفى البحرانيون الأصليون (شيعة وسنة) بكل عام جديد، ولم يتخلّوا عن الأمل الحقيقي بحتمية حدوث التغيير ونهاية الحقبة السوداء الذي هيمنت على البلاد. هذا برغم تضحياتهم الجسيمة ومعاناتهم الشديدة، فلم يكن الآلم مانعا من الأمل، بل كلما ازداد هذا الألم تعمّق الأمل، لعلمهم بالحقائق الإلهية التي لا تخطيء او تتوقف. فالليل يعقبه النهار، والظلام يأتي بعده النور. والسواد الذي فرضه الخليفيون على البلاد سيعقبه نور الحرية وإن تأجل قدومه. فلله في خلقه شؤون، وتأخر الانفراج لا يعني عدم حدوثه، فالله هو الذي يحدد وقت حدوثه، بل يأتي وفق الإرادة الإلهية التي تراقب مواقف البشر وأوضاعهم وتقرر ما فيه مصالحهم. فهذا الإله الخالق يحب مخلوقاته ويعطيهم بقدر ما يستحقون وما يستفيدون. هذه هي عقيدة الأغلبية الساحقة من المواطنين الذين قدّموا أغلى ما يملكون. ويكفي الإطلالة على قبور الشهداء لاكتشاف عمق إيمان آبائهم وذويهم بحتمية القصاص الإلهي من القتلة والمعذبين والجلادين. هذه العائلات تزور قبور أبنائها في كل أسبوع، ولكن تلك الزيارات تكثفت بمناسبة عيد الشهداء. إنه مشهد يوحي بحتمية التغيير لأن دماء الشهداء لا تذهب سدى، بل هي ضرورة لحدوث التغيير، لا يمكن ان تجف او تضيع او تفقد التأثير. قلوب الأمهات تشعر بذلك بإيمان راسخ، ويملأها الأمل دائما بأن الله يمهل ولا يهمل، وأن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب.  

مع مستهل العام الجديد تجد هذه المشاعر مكانها في نفوس المواطنين، خصوصا آباء الشهداء وأمهاتهم، وتزداد رسوخا برؤية الراية التي رفعها أبناؤهم الشهداء مرفوعة لم يستطيع الطاغية إنزالها. فهي عنوان البقاء والخلود للشهداء من جهة وحياة الشعب من جهة ثانية وحتمية انتصار القضية ثالثة. فحين ينزل الشباب الى الميادين حاملين راية التغيير فإن ذلك دليل على هزيمة عقلية الاستئصال الخليفية التي راهنت على كسر شوكة التغيير والحراك الثوري في نفوس المواطنين. فلا يمر يوم إلا وتخرج الجماهير في مسيراتها واحتجاجاتها تحت عناوين شتى، وآخرها قضية غزة. إن تعاطف الشعب مع أهل فلسطين تأكيد لإيمانه بتشابه القضيتين، فلا يمكن للشعب أن يسكت على جرائم الصهاينة، كما أنه لا يسكت على الظلم الخليفي المتواصل. سوف يستمر هذا الحراك بدون توقف حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحي من حي عن بيّنة. تلك هي سنة الله في الخلق ولا تجد لسنة الله تبديلا ولا تجد لسنة الله تحويلا. بهذه الروح لا يعدم أبطال الميادين ذريعة التواجد المستمر بدون توقف او انقطاع. هذا برغم علمهم ان الخليفي حاكم جائر يمارس الإجرام بأبشع صوره وأشكاله، عدو لدود للأحرار أين ما كانوا، سواء في فلسطين ام البحرين، عميل حتى النخاع لأعداء الأمة، همّه الوحيد نهب اموال الفقراء وتكديسها والفجور في الخصومة بلا حدود. يعمل المواطن البحراني الحر أنه سيدخل السجن يوما لان اغلب البحرانيين اعتقلوا ولو مرة في حياتهم، وأن السنوات تتوالى وهم يرزحون وراء القضبان. الأستاذ حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين والسنكيس والمقداد يكملون قريبا عامهم الثالث عشر في طوامير التعذيب الخليفية، الشيخ علي سلمان أكمل تسعة أعوام بدون ذنب، الأستاذ محمد السبّاع أكمل عامه الثامن، وهكذا، تتوالى السنوات والبحرانيون يرزحون في السجون ليس لأنهم اقترفوا جريمة يعاقب القانون عليها، بل لأنهم عشاق حريّة وطلاب حق وهاماتهم شامخة لا يخضعون لأحد. بينما الخليفي المجرم يتوقع منهم طأطأة الراس والركوع أمامه، وهو الذي احتل أرضهم ونكل بهم أيما تنكيل. 

في هذه الظروف ومع انتهاء العام الميلادي وحلول عام جديد لا يبدون الزمن ذا قيمة لدى الطاغية الذي يتربع على جماجم الآدميين ويتلذذ بأهات الأمهات الثاكلات، ويطرب لسماع أنات ضحايا التعذيب. صحيح أن هؤلاء يتأوهون ويئنون، ولكن لهم نفوسا كالجبال الراسيات، وهامات تطاول السحاب. فعلى مدى مائة عام خاضوا الويلات والمواجهات مع العدو الخليفي المحتل ولم تزحزحوا، ولم تمر حقبة بدون ان يكون هناك ضحايا وشهداء وسجناء ومنفيون. هذا التراث العملاق من النضال والتضحيات لا يمكن شطبه بجرّة قلم او القضاء عليه بسجن صانعيه والتنكيل بهم. فقد أصبح من تراث الوطن، تتوارثه  الأجيال وتتعلم منه دروس الصمود ومعاني التحدي وقيم النضال والحرّيّة. وهذا هو العهد الذي يقدمه شباب البحرين الذين يتظاهرون يوميا ضد العدو الخليفي ويهتفون بحرّيّة الوطن والشعب، ويرفعون علم فلسطين وتخفق قلوبهم وقلوب أمهاتهم بالدعاء على  الظالم المتربع على كرسي الحكم في الرفاع، وتلهج بالدعاء إلى الله بأن يمحقه ويأخذه أخذ عزيز مقتدر، فذلك ما يريده كل مواطن بحراني شريف، والله سبحانه وتعالى لن يخيّب آمال المظلومين. 

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق  عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين 

حركة أحرار البحرين الإسلامية 

29 ديسمبر 2023 

زر الذهاب إلى الأعلى