بيانات حركة أحرار البحرين

وتتجدد الذكرى مع شهدائنا الخالدين: عيد الشهداء أحد منطلقات النصر

مع اقتراب عيد الشهداء المجيد بدأ الشعب البحراني استعداداته لإحياء ذلك اليوم الخالد الذي يمثل له منطلق الأمل بحتمية التغيير. فما أن يرتكب الحاكم جرائم القتل وسفك الدماء وإزهاق الأرواح البريئة حتى يبدأ عهده العد التنازلي للتلاشي والفناء. وعندما أقدمت قوات الطاغية المجرمة على قتل الشهيدين هاني خميس وهاني الوسطي في 17 ديسمبر من العام 1994 تساقطت كافة مبررات وجود نظام الحكم الخليفي، فقد تخلى عن مسؤولياته وفشل في الحفاظ على أرواح البشر واستمرأ القتل. ومنذ ذلك اليوم استمر سقوط الشهداء في الأيام المتبقية من ذلك الشهر واستمر ذلك طوال فترة الانتفاضة المباركة.

وقد سجل الشهداء بدمائهم شهادات حية تتجدد باستمرار لتوثّق توحش الخليفيين وعدم ملاءمتهم لحكم البحرين، بلد الحب والأمن والإيمان. وفي غضون عشر سنوات بعد توقف الانتفاضة التسعينية انطلقت ثورة الشعب الخالدة في 14 فبراير 2011. وهنا تجددت سياسة القتل الخليفية، وفي اليوم الأول من تلك الثورة استشهد الشاب علي عبد الهادي مشيمع وفي اليوم التالي نادر المتروك، وتواصلت قافلة الشهداء خلال تلك الثورة حتى تجاوزت المائتين. وعاما بعد آخر أصبح لمصطلح “عيد الشهداء” معنى واقعي يتجدد مع ترجّل فرسان الميادين وصعودهم إلى ربهم راضين بمآلهم وساخطين على قاتليهم. هؤلاء الشهداء هم سر نهضة  الشعب واستمرار الثورة وتصاعد الأمل بحتمية النصر وسقوط الاستبداد. فالشهيد لا يموت، بل يبقى روحا حاضرة في الميدان، تحيي النفوس وتحرّك المشاعر، وتوقظ القلوب الغافلة. لذلك أكد القرآن الكريم أنهم ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون.

لقد شهد التاريخ البشري أصنافا من الطغاة الذين يلتذذون بإزهاق أرواح الأبرياء. هذا التاريخ نفسه شهد كذلك سقوط القتلة والسفاحين بدون استثناء. فمن رفع سيف البغي قتل به. هذا ما فعله الخليفيون ماضيا وحاضرا. فقبل أقل من أربعة أعوام أقرّ الطاغية الخليفي قرار محاكمه بقتل شابين بحرانيين ظلما وعدوانا، وعندما نفذ ذلك الحكم، برغم الاستغاثات في 26 يوليو 2019 بكل من أحمد الملالي وعلي العرب، ليضافوا إلى القائمة الطويلة من شهداء البحرين الذين ضحّوا من أجل الإسلام والحياة والحرّيّة. هؤلاء الشهداء توسدوا الثرى في مقابر عديدة، وأصبحت قلوب الناس تهفو إليهم، وتحولت مقابرهم إلى رموز للحياة والخلود والنصر. فعندها يتجمع الأهل والأحبّة ليقراوا القرآن ويترحّموا على الشباب الذين أزهق الطغاة الخليفيون أعمارهم، ويستحضروا أفكارهم ومواقفهم، تصبح الصورة أوضح والهدف أكثر جلاء. إنه الحضور الساحر الذي يلازم الشهيد بعد فراقه الحياة الدنيا، فيصبح شاهدا على المسيرة الطويلة التي جلّلتها الدماء وكستها حمرتها حللا زاهية من النصر والفخر والخلود. في مقابر الشهداء البحرانيين يتجلى العنفوان والكرامة، ولا يستطيع من يزور قبر الشهيد إلا أن يتألق بإيمانه ويشعر بتعمق صموده ورسوخ ثباته. هذا هو العطاء الروحي الذي ما برح يوفر للشعب أشخاصا اصطفاهم الله ليكونوا شهداء على  الناس وليهزموا مشاريع الظلم والاستبداد التي يفرضها الطغاة. هذا هو الشعور الذي اختلج في قافلة طويلة من الشهداء بعد انطلاق ثورة 2011 عندما كان كل منهم يقول: أنا الشهيد التالي، فكأن هناك سباقا محموما نحو هذا الموقع المتقدم القريب من الله سبحانه وتعالى. تلك هي عظمة الشهادة والثورة، وهي عبق الحرّيّة التي يبحث الأحرار عنها بدون تردد، ولو كلفهم ذلك حياتهم.

هذا العام تحل ذكرى عيد الشهداء في أجواء مختلفة تماما، حيث العدوان الصهيوني على غزة وتضاعف أعداد الشهداء لذين بلغ عددهم في غزة قرابة العشرين ألفا حتى الآن، نصفهم من الأطفال. إن أرواح هؤلاء ستتحول الى حمم تحرق الاحتلال وتقتلعه من أرض فلسطين. شعب البحرين يعرف هذه الحقائق جيدا، ويدرك ان دماء الشهداء كفيلة باقتلاع الاحتلال، سواء كان في فلسطين أم البحرين، وأن هذه الدماء قد كشفت تماما هوية المحتلين ووحشيتهم وبعدهم عن الإنسانية. يتجلى ذلك لديهم حين يفتحون ملف الاحتلال الخليفي للبحرين، والاحتلال الصهيوني لفلسطين. ويزداد وضوحا حين يتضح لهم عمق العلاقات بين الكيانين. فبينما أصر أغلب الحكومات العربية على استمرار مقاطعة ذلك الاحتلال وعدم الاعتراف به، هرع طاغية البحرين للسير بعكس اتجاه الأمة، فأصبح حليفا للصهاينة، يعترف بكيانهم، ويطبّع معهم ويستعين بهم على الشعب البحراني المظلوم. هذا يعني أنه ربط مصيره بهم، وأنه خلع تماما ثياب الوطنية والإنسانية وانتقل إلى جانب الوحوش وأعداء الإنسانية. يظن هذا الحكم الجائر أن بإمكانه الاتكاء على محتلي فلسطين للاستعانة بهم على أبناء الشعب البحراني الصامد والصادق والثابت على الإيمان والحق والموقف، وما أبعده عن الحقيقة والواقع، وما أغشى بصره وأبعده عن الصراط المستقيم الذي لا يسلكه إلا من  امتحن الله قلبه للإسلام. إنه الصراع الأزلي بين أهل الحق من اتباع الرسل الذين جاؤوا بالوحي الإلهي، وجند إبليس الذين زين لهم الشيطان وأملى لهم. هذا الصراع يدركه شعب البحرين الذي توارث النضال أبا عن جد وأصبح لا يطيق المحتلين والمستبدين والظالمين، أينما كانوا. هذه المرة أصبحت الأمور أوضح، ليس فيها التباس او تشوش. فالمحتل هو العدو الصهيوني، والمظلومون هم أهل فلسطين الذين يتشبثون بأرضهم ويرفضون الاستسلام للأعداء، مهما تظاهروا به من قوة وصلابة، فإنما هو كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى.

ونحن نستعد لإحياء ذكرى عيد الشهداء الأغر، لنشعر بالقشعريرة بسبب حركة مشاعر الحرية في الشرايين وتضاؤل أقزام الاحتلال في عيون ضحاياهم. هذا الاستعداد دفع الكثير من المواطنين لتحديد أنماط الاحتفاء بالمناسبة، فما بين متظاهر لا يبارح الميادين، أو كاتب يخط بيمينه ما يملي عليه ضميره، أو إنسان وطني يرفض محاولات الاسكات وتكميم الأفواه باستخدام منطق الغلبة. أما المؤمنون فيرون أنه “لا غالب الإ الله” فلا يهمهم كيد اليزيديين شيئا، بل يدفعهم لتثبيت الأقدام في الأرض عند المواجهة مهما كان تنكيل الطرف الآخر. فالتنكيل إنما هو عذاب مؤقت يصيب الجسد بشراسة، ولكنه لا يحدد للشخص توجهه وموقفه. فشهداؤنا العظماء تمرّدوا على الألم ورفضوا الاستسلام لإملاءاته، وتوجهوا نحو الله رافعين راية الإيمان والحرّيّة، غير عابئين بتهديدات الطاغية الخليفي. خرجوا فرادى وجماعات على مدى أكثر من نصف قرن، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا. لقد عاهدوا الله وتعاهدوا في ما بينهم على الثبات والصمود، لعلمهم ان النظام الذي يواجهونه من أقبح أنظمة  الشر، خصوصا بعد ان تحالف مع الصهاينة وأعانهم على أهل غزة وأعلن وقوفه في خندق العدو، ونسي أن الله له بالمرصاد. فلن تقوم له قائمة وإن طال به الأمد، فالله يملي له ليزداد إثمًا، ويمهله ولكن لا يهمله: إن ربك لبالمرصاد. عندما يشاهد المرء أشلاء الأطفال في غزة يرى في ذلك صورة الوحوش الكاسرة التي ما جعل الله في قلوبها رحمة للآدميين. وحين ينظر لـ “زعماء الأمة” يراهم واقفين مع العدو في خندق واحد، فما أكثر الشهداء، وكذلك ما أكثر المعتقلين السياسيين في بلداننا. أما الشهداء فهم ظاهرة متميزة في أمتنا، يقودون مسيرتها ويرطّبون ثراها بالدم، ويأخذون بزمامها نحو النصر الأبدي الآتي من الله سبحانه وتعالى. هؤلاء لا يستعجلون النصر، فهو آت على أي حال، وذلك وعد إلهي غير مكذوب. هذه بعض خواطر عيد الشهداء، تمر بقلوب المناضلين وفي مقدمتهم من يرزح وراء القضبان كالاستاذ مشيمع وعبد الوهاب والشيخ علي سلمان والدكتور السنكيس، فلا يزيدهم إلا إيمانا وتصديقا وثباتا. اللهم اربط على قلوبهم وامنحهم النصر واهزم أعداءك، أعداء الإنسانية، فإنك على كل شيء قدير

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة أحرار البحرين الإسلامية

15 ديسمبر 2023

 

زر الذهاب إلى الأعلى