بيانات حركة أحرار البحرين

السجناء السياسيون يستخدمون سلاح الجوع لهزيمة العدو الخليفي

 

لا يمر شهر إلا ويظهر من الأزمات ما يعمّق التباعد بين شعب البحرين والعصابة الخليفية. فإذا جاء موسم عاشوراء طغت المشاكل التي يفرضها الخليفيون بهدف حرمان الشعب من ممارسة شعائره الدينية، وتتحول الأجواء الى صراع علني وخفي، تتجلى مصاديقه في الشعارات العزائية وفي التحدي الذي يظهره المشاركون في المواكب للعصابة التي لا تنتمي للبلاد تاريخا او ثقافة. وما أن ينقضي الشهر حتى تظهر مشكلة أخرى تعمّق التباغض بين الطرفين. هذه المرة برزت مشكلة السجناء السياسيين الذين قرّروا إظهار ظلاماتهم المتكررة للعالم. في العام 2015 تظاهر المعتقلون السياسيون وحدثت أزمة داخل السجن بسبب العدوان الخليفي الغاشم الذي شنه الجلادون على سجناء الرأي، وما أحدثوا من إصابات وما فرضوه من أحكام إضافية وقرارات عزل جائرة. هذه المرة فضّل السجناء السياسيون استخدام الجوع سلاحا ضد المحتل الخليفي، تماما كما يفعل السجناء الفلسطينيون في طوامير التعذيب الصهيونية. وما أشبه الوضعين، فكلا النظامين محتل أتى من خارج الحدود واحتل البلاد ونكّل بسكانها الأصليين، وسجن وعذب وقتل وسحب الجنسية من السكان الاصليين وجاء بالمستوطنين من أصقاع الأرض لإحلالهم في اراضي السكان الأصليين.   

جاء الإضراب عن الطعام الذي أعلنه أكثر من 700 معتقل سياسي بحراني ليعيد البلاد للاهتمام العالمي وليؤكد المقولات المتواصلة حول طبيعة الصراع في هذه الجزيرة المبتلاة بالاحتلال. هذه المرة سيكون الإضراب تحديا حقيقيا للخليفيين، ولن يستطيعوا تجاهله مهما استخدموا من أساليب قمعية إجرامية. فمنذ سنوات وهؤلاء المعتقلون السياسيون يعانون من المشاكل ما لا يطيقه البشر. أولى هذه المشاكل حرمانهم من الخروج من زنزاناتهم الى الفضاء الخارجي إلا فترة وجيزة لا تتجاوز الساعة، بينما يقضون 23 ساعة داخل طوامير التعذيب التي تفنن الطاغية وعصابته في بنائها بأنماط تكرس معاناة سجناء الرأي. وقد طالب هؤلاء مرارا بزيادة فترة التشمس خارج الزنزانات خصوصا بعد ان انتشرت الأمراض الناجمة عن عدم التعرض للهواء الطلق وأشعة الشمس الضرورية لتقوية العظام. ولكن رموز الاحتلال الخليفي أصروا على حرمانهم من ذلك. 

 أما المشكلة الثانية فتتمثل بالحرمان من العلاج والدواء. وهذه أزمة جديدة – قديمة، تعمّقت في السنوات الأخيرة بعد أن قرر الطاغية توفير أسباب الموت بدافع الحقد وبهدف الانتقام. وما أكثر الأمراض التي انتشرت في العنابر والزنزانات بسبب سوء الرعاية الصحية والحرمان من العلاج بشكل منتظم. وما أكثر السجناء الذين يحتاجون لعمليات جراحية في مناطق مختلفة من أجسادهم، وما أكثر المحتاجين لعلاج الأسنان أو آلام الظهر او الأمراض الباطنية، ولكنهم محرومون من العلاج المناسب، بالإضافة لغياب المتابعة المطلوبة لبعض الأمراض المستعصية. فمثلا الأستاذ حسن مشيمع الذي يعاني من مرض السرطان قبل اعتقاله، يحتاج لفحوصات مستمرة لضمان عدم عودة المرض، ولكن ذلك غير متوفر. كما أنه تعرض للعزل الكامل وكذلك الدكتور عبد الجليل السنكيس، فنقلا من سجن جو الى مركز كانو الصحي الذي حرما فيه من الاختلاط مع بقية السجناء، وبقيا منفصلين أحدهما عن الآخر منذ نقلهما الى ذلك المركز قبل قرابة العامين. وقد نجم عن هذه السياسة إصابة العديد من السجناء بأمراض مستعصية كالسرطان. وتوفي عدد منهم داخل السجن. وحاول الخليفيون التذاكي فإفرجوا عن البعض ممن استحكم المرض فيهم، ليموتوا خارج السجن. وهكذا تحول العلاج والدواء إلى أزمة متواصلة أدت لوفاة العديد من المسجونين ظلما وعدوانا.  

وتتمثل المشكلة الثالثة بالزيارات العائلية التي يسعى الخليفيون لتضييقها وحرمان السجناء من التواصل مع عائلاتهم بشكل منتظم. وقد عانى المعتقلون من ذلك كثيرا، فلم يروا أقاربهم من غير إخوتهم وأخواتهم المباشرين، وحرموا من زيارات أقربائهم. ويطالب هؤلاء المظلومون بتوسيع الزيارات لتشمل الأقرباء غير المباشرين، بالاضافة لزيادة فترات الزيارة. كما يطالبون بأن تكون الزيارات بعيدة عن رقابة الجلادين لكي يستطيع أفراد العائلة التداول في شؤونهم الخاصة، ولإتاحة الفرصة للمعتقل للتعاطي الإيجابي مع أهله خصوصا زوجته وأطفاله. بينما يسعى الخليفيون لتشديد التضييق بهدف الضغط على معنويات السجين السياسي على أمل كسر إرادته كشخص وإرادة الشعب ككيان يبحث عن حقوقه وحريته. 

وهناك مشكلة أخرى رابعة وهي إحدى من مطالب المعتقلين السياسيين، وتتمثل في الحاجز الزجاجي الذي نصبه الخليفيون ليفصل المعتقل عن عائلته خلال الزيارة. وقد أدى هذا الحاجز إلى تصاعد الحالات النفسية لدى المعتقلين وحتى لدى  أفراد العائلة. فالوالد الذي لم ير طفله منذ شهر مثلا او ربما منذ الولادة في بعض الحالات، يجد نفسه ممنوعا من حمله او تقبيله او ملاعبته. بينما يفترض أن تكون الزيارة حقا حقيقيا للسجين، لأنه إنسان يحمل عواطف ومشاعر لا يجوز قمعها بأي حال من الأحوال. فالكرامة الإنسانية تقتضي التوقف عن استهدافها بشكل ممنهج من قبل من لديهم السلطة والقوة. هذا الحاجز دفع بعض الآباء للامتناع عن استقبال عائلته نظرا لما سيترتب على اللقاء من آثار نفسية على الطرفين. ويفترض ان يتوفر للطفل أجواء الحنان والحب وأن يعيش في كنف والده ويشعر بحنانه ودفئه. ولكن لدى الخليفيين مآرب أخرى غير إنسانية من وراء فرض الحاجز الزجاجي السميك الذي ليس له أية ضرورة، وإنما تحول لأداة قمع شرسة تفتقر للأخلاق والقيم الإنسانية. 

هذه المطالب أصبحت ملحّة على  السجناء، ولطالما عرضوها على مسؤولي السجن، ولكن بدون جدوى. ويوما بعد آخر اتضح لهم ان حسمها ليس بأيدي موظفي السجن الذين هم ليسوا سوى لاحسي قصاع الطاغية وعصابته وعبيده المؤتمنين على أرواح الناس وحقوقهم وحرياتهم وإنسانيتهم. القرار النهائي إنما هو بيد ديوان الطاغية الذي يدير البلاد والعباد كقطيع من البهائهم، يقرر مصائرهم بقراراته بعيدا عن الذوق او القانون أو الأخلاق. هذه حقائق يعرفها السجناء الذين اتخذوا قرار الإضراب، وإنما أقدموا على ذلك كخطوة أخيرة على أمل ان يكون سلاح الجوع الذي بأيديهم فاعلا في الصراع مع عصابة تمارس أبشع أساليب الإجرام والظلم. ومع ان نتيجة الإضراب غير مضمونة ولكنه أعطى دفعة كبيرة للصراع المحتدم بين البحرانيين والخليفيين منذ عقود، وهو صراع وجودي تتعدد مفاعيله ويتوقع ان يصل الى نهايته يوما. وهذه النهاية تعني المفاصلة الأبدية بين طرفين لم يلتقيا أبدا، طرف يسعى لفرض نفسه بالطغيان والاستبداد والقمع والاضطهاد وطرف يدافع عن نفسه على تراب أرضه ومن أجل إنسانيته وبوسائله السلمية المتحضرة. والمتوقع تصاعد الصراع في الأسابيع والشهور المقبلة بعد ان طفح الكيل وبلغ السيل الزبى. فما دامت السجون مكتظة بنزلائها من البحرانيين فلن يهدأ طرف لمواطن حر أو أمّ ثكول أو والد مكسور القلب. 

في هذه الحقبة الفاصلة من الزمن أصبح المواطنون أمام تحد تاريخي يفرض عليهم التضامن الكامل مع السجناء المضربين بالتواصل مع عائلاتهم بشكل مستمر والدعاء لهم في جوف الليل، والتعاون مع الجهات الحقوقية الدولية لممارسة الضغط على العصابة الخليفية للإفراج غير المشروط عن السجناء السياسيين فورا بدون قيد أو شرط. مطلوب من المواطنين تكثيف الاهتمام بما يجري وراء القضبان، ومن ذلك إبقاء قضيتهم حاضرة في المحافل والنقاشات المستمرة بشأنها، و إعلان الصوم فترات محددة تضامنا معه، كما قال الأخطل الصغير: 

قم نجع يوما من العمر لهم    هبه صوم الفصح هبه رمضانا 

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين 

حركة أحرار البحرين الإسلامية 

25 أغسطس 2023 

زر الذهاب إلى الأعلى