بيانات حركة أحرار البحرين

في ذكرى الاستقلال: إضراب عن الطعام وإصرار على تحرير الوطن

مع اقتراب عيد الاستقلال في 14 أغسطس يستعد البحرانيون لإحياء المناسبة بما يليق بها وبما تسمح به الظروف، مؤكدين للعالم أن الاستقلال الحقيقي سيتحقق بقيام نظام سياسي وطني يشارك فيه البحرانيون الأصليون (شيعة وسنة) على قدم المساواة وعلى مبدأ “لكل مواطن صوت”. لقد كان انسحاب البريطانيين من البحرين نتيجة طبيعية لنضال وطني استمر عقودا رافضا المساومة على سيادة البلاد او السماح للأجانب باستغلالها. كما جاء بعدما تراجعت حظوظ “الامبراطورية العجوز” لأسباب عديدة من بنيها تصاعد النضالات الوطنية ضد الاستعمار. نبارك لشعبنا هذه المناسبة السعيدة ونهيب به إحياءها بأساليبه المتحضرة، ونسجل تقديرنا وإكبارنا لرموز الوطن المأسورين لدى العدو الخليفي، مؤكدين ان العيد الحقيقي سيكون يوم تحررهم من الأسر وهزيمة أعداء الوطن والشعب. ويتزامن الاحتفاء بالذكرى هذا العام حدوث إضراب عن الطعام بين السجناء السياسيين المظلومين خصوصا في سجن جو سيء الصيت. 

لقد كانت ثورات السجن دائما مصدر قلق كبير للطغاة سواء في البحرين أم غيرها. وعلى مدى العقود أثبت “سلاح الجوع” فاعليته في النضال السياسي، وكثيرا ما أدى لكسر إرادة السجان وانتصار السجين. فهل لدى المعتقل مصدر لذة سوى الطعام؟ فحين يضحي به فإنه يضحي بأغلى ما لديه من مصدر لذة. وكثيرا ما أدى هذا الإضراب إما لأمراض طويلة الأمد او حتى الوفاة. ويلجأ المعتقلون للإضراب عن الطعام حين تغلق في وجوههم كافة أبواب الانفراج لما يعانونه من مشاكل، وما أكثرها في سجون البحرين. ومن أبرز هذه المشاكل ما يلي: 

أولا: استمرار معاناة المعتقل السياسي حتى بعد صدور الحكم فبحقه. في البداية يتعرض للتعذيب والتنكيل والإهانة من أجل الحصول على معلومات، برغم تأكيد الخبراء الأمنيين بأن التعذيب لا يوفر معلومات حقيقية. هذه المعاناة تستمر في الكثير من الحالات، فيتعرض السجين المحكوم للضرب والشتم والحرمان بدون حدود خصوصا إذا أظهر حركية تؤكد استمراره على خط مقاومة الظلم والاستبداد. هذه المعاناة تتواصل إذا رفض السجين الاستسلام للتكبر الخليفي ومحاولات كسر الإرادة وتدمير ما يبقى لدى المعتقل من إنسانية بعد تعرضه لأبشع أصناف التعذيب. فالسجن وما يصاحبه من تنكيل وتعذيب وحرمان، كل ذلك يهدف لكسر إرادة المعتقل، سواء في التغيير والإصلاح ام في الاحتفاظ بالمعلومات الخاصة المرتبطة بالحراك السياسي، ام بأية تفصيلات حول المجموعات المعارضة وتراتبياتها التنظيمية. 

ثانيا: الحرمان المستمر من الخدمات الأساسية التي تتطلبها الحياة حياة الإنسان وكرامته. فالمعتقل البحراني يعيش في ظروف تفتقر للنظافة والخدمات الأساسية، ويجبر بعض ا لمعتقلين على تنظيف المرافق والعنابربشكل مهين. كما يحرم المعتقل من حقه في العناية الصحية ابتداء بالعلاج وصولا للدواء. فما أكثر الأمراض التي استعصت على العلاج بسبب رفض الخليفيين توفير العلاج الأساس من تشخيص ودواء للمرض في بداياته. وما أكثر معاناة ذوي العاهات الداخلية برغم آلامهم وأنينهم وشكواهم. بل أن بعض السجناء احتجوا لدى مسؤولي السجن لتجاهل معاناة السجناء المرضى وكثيرا ما عوقب هؤلاء بالتعذيب والعزل وزيادة فترة الحكم. وقد توفي العديد من المعتقلين السياسيين سواء داخل السجن ام خارجه نتيجة الاصابة بالامراض داخل المعتقل وعدم الحصول على الرعاية الصحية المناسبة.  

ثالثا: استهداف النظام للمعتقل السياسي، خلال اعتقاله وبعده. فالسجين السياسي يعتبر “عدو الدولة”، ومع غياب مصاديق الدولة الحديثة من الحياة العامة، أصبحت العصابة الخليفية تعتبر نفسها الدولة، فمن يعترض على الخليفيين يعتبر عدوا للدولة، وهكذا أصبح السجين السياسي عدوا للدولة. ومن تبعات ذلك غلق كافة دوائر الدولة بوجهه، فلا مجال لتوظيفه او اعادته الى وظيفته، بل ان العلاوات التي تحصل عليها العائلات العادية قد تحرم منها عائلته. فالمطالبة باصلاح الوضع السياسي في البلاد تتحول تدريجيا الى جريمة يحرم بسببها السجين السياسي من حقه في الحياة تقريبا. والهدف القضاء على قيم الدولة الحديثة ومنها فتح المجال للمعارضة السياسية والنقد والرقابة.  

من هنا يأتي الإضراب عن الطعام خطوة تعبر عن حالة  اليأس من تغيير الوضع داخل السجن. وهنا يبدأ الإضراب بعد ان يستنفذ سجين الرأي كافة وسائل الضغط الأخرى. ويعلم مسؤولو العصابة الخليفية أن الإضراب له تبعاته السياسية والأخلاقية والقانونية. فالعالم يتعاطف كثيرا مع البطون الجائعة والأمعاء الخاوية، خصوصا إذا كان أصحابها جادّين في إضرابهم. وفي عدد من الحالات أدى الإضراب لوفاة المعتقلين السياسيين كما حدث مع السجناء الأيرلنديين لدى بريطانيا في العام 1981. فقد بدأ أولهم وهو بوبي ساندز الإضراب عن الطعام احتجاجا على سوء الاوضاع في سجن “ميز” وطرح بعض المطالب التي تجاهلتها السلطات  البريطانية حتى توفي بعد شهرين. وتبعه تسعة آخرون من اعضاء الجيش الجمهورية الأيرلندي، توفي الواحد منهم بعد الآخر، حتى انتشرت الاحتجاجات ضد السلطات البريطانية على نطاق عالمي واسع. وفي النهاية تم ا لتوصل لاتفاق بين المضربين عن الطعام والسلطات البريطانية وانتهى الإضراب ولكن بعد أن أودى بحياة عشرة من السجناء. وشهدت سجون الاحتلال الاسرائيلي اضرابات عديدة منذ الستينات، واستمرت حتى هذا العام. وكان آخرهم خضر عدنان الذي استشهد في 2 مايو الماضي بعد 87 يوما من الاضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقاله التعسفي.  

هذه الحالات وفرت للقضايا السياسي التي ارتبط هؤلاء السجناء السياسيون بها دعاية واسعة فرضت نفسها على الحكومات المعنية، وأحرجتها بشكل ملحوظ. ويخشى الطغاة الخليفيون دائما من تحول الإضراب عن الطعام الى سلاح فاعل يضاعف الضغوط عليهم. وفي كل مرة سعوا لإفشال الإضراب بأساليب شتى من بينها الضغط على عائلات المضربين او تهديدهم، وإعطاء وعود جوفاء لهم بتلبية مطالبهم، او محاولة شق صفوفهم لإضعاف معنوياتهم ودفعهم لإنهاء الإضراب. أساليب متعددة يستخدمها الطغاة لمنع استمرار إي إضراب عن الطعام من قبل معتقلي الرأي الذين تكتظ بهم سجونهم الإجرامية. مع ذلك لم يفلحوا في كسر عزيمة النشطاء السياسيين وإرادتهم، ولم يفلحوا في إزالة أسباب التوتر التي حوّلت البلاد إلى سجن واسع يستقبل آلاف المواطنين المطالبين بالتغيير السياسي. 

هذه المرة أضرب المئات من معتقلي سجن جو احتجاجا على أمور عديدة. فهم يتعرضون لسياسة تؤدي إلى موت بطيء، بالحرمان من الحركة والرياضة نتيجة حرمانهم من فضاء وقت كاف خارج الزنزانات والعنابر، ومنعهم من حقوقهم الدينية ومنها صلاة الجماعة وإحياء الشعائر الدينية والكتب الثقافية والعلمية، والتضييق على الزيارات العائلية وتقليص عدد الأفراد المسموح لهم بزيارة المعتقل السياسي، ومنع الأقارب غير المباشرين (الوالدين والإخوان والأخوات) من الزيارة. هذا بالاضافة للحرمان من العلاج والدواء، وتحديد الاتصالات المرئية ومراقبتها عن كثب، والتنصت عليها لاستخدامها سلاحا للابتزاز والضغط. أنها سياسات مجرمة تمارسها العصابة الخليفية المحتلة بحق السكان الأصليين الذين ذاقوا الأمرّين على أيديهم. وما الإضراب عن الطعام إلا إضافة جديدة لفعاليات الشعب ضد الاستبداد الخليفي المجرم. لقد عرف شعبنا البطل معاني الإيمان والحرّيّة والإباء والتضحية، فلم يبارح الميادين منذ مائة عام تقريبا، وما يزال ثابتا في موقفه الهادف للتغيير الجوهري في نظامه السياسي. لقد يئس من إمكان إصلاح الحكم الخليفي بعد ان تعاقبت في المسار النضالي أجيال عديدة دفع أفرادها أثمانا باهضة في سجون سافرة وجدة والقلعة وأقبية جهاز الأمن الوطني والقرين وسجون الحد والبديّع والخميس وغيرها من مراكز التعذيب.  

هذا الشعب يعلم أن الخليفيين مستمرون في الحكم ليس بسبب قوتهم الذاتية او الدعم الشعبي او الشرعية الدستورية، بل باعتمادهم المطلق على ا لخارج. ولذلك يشعر الشعب أنه يواجه قوى خارجية ربطت مصالحها ببقاء الخليفيين حكاما. وهذا يدفعه لتصعيد نضاله من أجل التغيير لانه يرفض ان تبقى بلده مرتهنة لدى الأجانب، ويعتقد ان بإمكانه إدارتها بأنماط حديثة من الإدارة والنظام، ولا يحتاج للمقايضة على سيادة البلد مع القوى الخارجية الطامعة. الأمر المؤكد إن إضراب السجناء السياسيين إذا استمر هذه المرة سيقصم ظهر الطاغية وعصابته، وستصك أخباره أسماع الدوائر العالمية المعنية. ولا يحتاج شعبنا إلا لدعم معنوي وأخلاقي من عشاق الحرية والخير، وليس من محتلي فلسطين أو داعميهم في واشنطن ولندن. إن قلوب الأحرار تخفق حبا لمعتقلي الرأي البحرانيين، وتقديرا لتضحياتهم ودعما لإضرابهم. سيستمر التضامن معهم والدعاء لهم بالنصر على العدو الخليفي وتثبيت أقدامهم وهم يواجهون نظاما مجرما معاديا لله ولشعبه، وخائنا للأمة وفلسطين والمسجد الأقصى. اللهم انصر المضربين عن الطعام، وتقبل تضحياتهم، وسدّد خطاهم، وانصرهم نصرا عزيزا، وخذ عدوّهم أخذ عزيز مقتدر. 

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين 

حركة أحرار البحرين الإسلامية 

11 اغسطس 2023 

زر الذهاب إلى الأعلى