بيانات حركة أحرار البحرين

صمود رموز الشعب عنوان الأمل وشرط التغيير

في البداية نبارك للمسلمين خصوصا حجاج بيت الله الحرام وشعبنا المظلوم ورموزنا الأسيرة بعيد الأضحى المبارك. وقد مر هذا العيد في ظروف كانت استمرارا لأوضاع مأزومة تزداد توترا برغم محاولات النظام التظاهر بغير ذلك. عيد الأضحى الأغر له مدلولاته التاريخية والحاضرة، ولا يمكن ان يمر بدون ان يستقي المؤمن منه عبرة ويستمد منه موقفا ويؤسس عليه مسارا مستقبليا. فهو عنوان لإنجازات تاريخية عظيمة بدأت ببعثة النبي إبراهيم الخليل عليه السلام وصراعه مع الطغيان والاستبداد، وتمسكه بالإيمان للتصدي لذلك. ولكي يكون موقفه فاعلا اجتهد في تثبيت عقيدته ورفض كافة أشكال الآلهة البشرية والصنمية المصطنعة. واستخدم عقلا راجحا لإثبات موقفه ودحض حجة الكفر والعناد. وهكذا سطّر للأجيال منطقا عقليا دامغا يدحض حجج الطغاة: فاسألوهم إن كانوا ينطقون. وقد اعتاد الدعاة إلى الله ونشطاء الحرية والعدالة استخدام المنطق وأدواته لإثبات موقفهم، ولكن هذا المنطق كان يستفز الطغاة العاجزين عن تبرير شرعية مواقفهم وحكمهم. فهم لا يؤمنون بالسجال المنطقي ويرفضون منطق الحوار: حرّقوه وانصروا آلهتكم. هذا النبي العملاق، مؤسس الحنيفية الداعية لله والرافضة للشرك، قدم الكثير للإنسانية، وكان مطيعا لربه بشكل مطلق انطلاقا من إيمانه الراسخ، وتعبيرا عن تحرره الكامل من قيود الدنيا وما تفرضه على الإنسان من خوف وقلق وجشع. فما أن أمره الله بذبح ابنه إسماعيل حتى  استجاب طائعا مستسلما للإرادة الإلهية، واستجاب ابنه للطلب الإلهي: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، قال افعل ما تؤمر، ستجدني إنشاء الله من الصابرين. ذلك هو الإيمان  التوحيدي الحقيقي الذي يفترض ان يستفيده الحجاج حين يتوجهون إلى مكة المكرمة لأداء الفريضة.   

وبرغم موجات الإلحاد وتنامي الظواهر المادية وهيمنة الجشع على مواقف الكثيرين، ما يزال هناك من وطّد نفسه للثبات على دين إبراهيم الخليل، رافضا الأصنام البشرية والمادية، ومتكئا على المنطق والبرهان: إن الله يأتي بالشمس من  المشرق فأت بها من المغرب. إنه منطق الفطرة التي فطر الناس عليها، والتي يسعى الطغاة دائما لحرفها واستبدالها بقيمهم الهادفة لقتل العقل وفرض إرادتهم على الناس بالقوة. لذلك لا يستطيع المجتمع البشري ان يتطور في مجالات الأخلاق والعدالة والحرية، ما دام يرفض الإيمان المطلق بالله وحده، ذلك الإيمان الذي يجسّد أعلى مراتب الحرّيّة. صحيح انه يتطور في عالم المادة، ولكنه تطور محفوف بالمخاطر، لانه ينطوي على ما يدمر هذا الكوكب ويغرس الأمراض في أجساد البشر: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. فلو اعترف الإنسان تواضعا بحدود قدرته العقلية والعملية لاستطاع تطوير مستويات حياته: وفوق كل ذي علم عليم. 

ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين. أولئك الذين صدقوا الله ما وعدوه، فكانوا يواجهون الطغاة بمنطق الأنبياء: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه. لذلك لبثوا في السجن أطول من يوسف الذي قضى بضع سنين. مضى عليهم وهم أسرى بطوامير التعذيب ما يربو على اثني عشر عاما ذاقوا خلالها، وما يزالون يذوقون، أصناف العذاب والتنكيل. فبعد الوجبة الأولى من  التعذيب بعد اعتقالهم في شهر مارس 2011 ومحاكماتهم العسكرية والصورية في مثل هذه الأيام من ذلك العام، دخلوا مرحلة أخرى من  التنكيل والاضطهاد، مستمرة حتى اليوم. وهل هناك تنكيل أكبر من الحرمان من العلاج؟ يكفي ان يبتلى الإنسان بالتهاب في أحد أسنانه ولا يجد له علاجا ليشعر بالألم الذي لا يطاق، فما بالك بمن تجاوز السبعين ولا يحصل علاجا للآلام التي لا تبارحه في كل جوارحه؟ ما حال الأستاذ مشيمع الذي لا يسمح له بالخروج من زنزانته طوال اليوم؟ وكذلك الدكتور السنكيس والاستاذ عبد الوهاب والشيخ المحروس والبقية؟   

برغم ذلك، يبقى هؤلاء العمالقة صامدين لا يتراجعون عن مواقفهم ولا يترددون في الإصرار على المطالب التي رفعوها عندما تقدموا الجماهير بدون خوف أو وجل. لقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار فكانوا أوفياء لذلك العهد. فها هم يصدرون من زنزاناتهم تحيتهم للشعب بمناسبة عيد الأضحى المبارك، يواسونه ويضمدون جراحه، ويشجعونه على الثبات والصمود. فما أعظمهم من ثلة تعيد إلى الأذهان مواقف المجموعات الصالحة عبر تاريخ الإسلام والإنسانية. لقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه منذ عقود، ولم يُسمع عن أي منهم ضعف او وهن او تراخ.  

هذه المواقف إنما هي ثمرة أمور عديدة: أولها الإيمان الراسخ الذي يزيل اي اثر للشرك من النفس، ومن أهم أنماط الشرك الخشية من غيره: الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه، ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا. ثانيها: أن إيمانهم دفعهم للاقتداء بمن سبقهم من المؤمنين، ومن أولئك عمار بن ياسر وحجر بن عدي وميثم التمار ورشيد الهجري وسواهم. أولئك صدقوا ما عاهدوا الله عليه حتى استشهدوا. ثالثها: خاصية الصدق التي تدفع المرء للثبات: يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين. هذه السمة ليست متوفرة لدى الكثيرين، فالتزامهم محدود ونسبي، يمارسونه ما داموا بعيدين عن الخطر، وسرعان ما يتخلون عنه. رابعها: أن تجاربهم أقنعتهم بعدم جدوى التعويل على إمكان إصلاح الحكم الذي استشرى فيه الفساد وانسلخ رموزه عن الدين والأخلاق والإنسانية، فلم يعد هناك ما يدفعهم للالتزام. خامسها: أن التنكيل الذي وقع عليهم أقنعهم بشكل حاسم عدم جدوى التعويل على حدوث التغيير والإصلاح من داخل البيت الخليفي الفاسد: “والذي خبث لا يخرج إلا نكدا”. ولذلك أصبحوا في مواقفهم وقناعاتهم راسخين كالجبال.  

العظماء هم الذين يثبتون على المواقف ولا يحيدون عنها، ويضعون المصالح العامة فوق المصالح الشخصية، فيضحون من أجل الآخرين حتى إن إدى ذلك الى الشهادة. فهل الشهيد إلا شمعة تحترق لتضيء الطريق للآخرين؟ ولذلك يخلدون في التاريخ ويتحولون إلى أيقونات يهفو لها المناضلون والأحرار عبر العصور. أليس هذا ما جعل الإمام الحسين عليه السلام رمزا للحرية والثبات والإنسانية؟ أليس هذا ما جعله شهيدا حيا لا يموت طال الزمن ام قصر؟ أليس هذا ما يجعل موسم عاشوراء الذي سيحل قريبا محطة لشخذ الهمم والتزود بالطاقة الثورية والنهج الواضح وصدق الموقف؟ وما أكثر الذي ساروا على نهج الحسين فحققوا إحدى الحسنيين: النصر او الشهادة. هؤلاء الذين يرون في الحسين مشروعا متواصلا للإصلاح والتغيير لا يضيرهم ما يحدث لهم، ولا يستصعبون الأخطار المحدقة بهم. يعلمون أن طريقهم قليل السالكين، ولكنهم يستحضرون دائما قول الإمام علي عليه السلام: لا تستوحشوا طريق الحق وإن قلّ سالكوه. يعلمون أن الجنس البشري متعدد المشارب والاتجاهات، وأن أغلب البشر يتقاعس عن الوثبة ويتراجع عند النفرة، ولكن هناك في كل زمان ومكان ثلل صغيرة توطّد نفسها على الثبات والصمود، وتتعمق لديها مشاعر الكرامة فلا يستطيع الطغاة النيل من عزائمها، وتبقى مصدر خوف ورعب لهم. لذلك يستنفر الطغاة كافة الإمكانات والأجهزة حين يخرج نفر من الناس في احتجاج او مسيرة، أو يوقّعون عريضة بمطالب كبيرة، أو يعلنون موقفا مناهضا للديكتاتورية والاستبداد. هؤلاء الطغاة يجدون أنفسهم في سباق مع الزمن لإنقاذ عروشهم الخائرة، فيهرعون للسجن والتعذيب والإعدام على أمل استئصال أسباب التغيير وأدواته. ولكن ما أعجزهم عن ذلك، فالله يمهل ولا يهمل، وسنة الله التي جرت على الأقوام السابقين حين مارسوا الظلم، تجري على الجميع ولا يفلت منها أحد.  

في عالم يزداد استهلاكا وجشعا واستغلالا وابتعادا عن المباديء والإنسانية، يبحث ذوو النفوذ عن الأعذار لتبرير تقاعسهم عن نصرة الحق وضحاياه، لا يجد شخص مثل الحسين إلا التضحية بالنفس والأهل لإحداث هزة ضميرية في المجتمع ا لمتقاعس ليتحرك نحو التحريك. وهذه هي مواقف أبطالنا المرتهنون لدى العدو الخليفي الغاشم. بصمودهم ستتواصل مسيرة التغيير، وعلى أيديهم سيتحقق النصر الإلهي المحتوم: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.  

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين 

حركة أحرار البحرين الإسلامية 

30 يونيو 2023

زر الذهاب إلى الأعلى