بيانات حركة أحرار البحرين

تاريخ ناصع من النضال كتبته معاناة الشهداء والسجناء

ما الذي دفع شبابا في مقتبل العمر للمغامرة بحياتهم ومحاولة الهرب من المعتقلات الخليفية؟ ما الذي حرّك معتقلي سجن جو الرهيب للاحتجاج في مارس 2015 في أكبر انتفاضة من مثلها برغم علمهم بنتائجها الوخيمة سلفا؟ والسؤال الذي يسبق هذين الاستفسارين: لماذا ينطلق الشباب البحراني ليشارك في الاحتجاجات ضد الحكم الخليفي مع علمه، من خلال اطلاعه على تجارب السابقين، بأن العصابة الحاكمة لا تتردد عن استخدام الرصاص الحي لقتل المشاركين؟ كيف حوّل هؤلاء المجرمون البلد الى جحيم لا يطاق، حتى أصبح العيش فيه والموت سيان؟ وأخيرا لماذا لم يمنع عدم تحقيق نتائج إيجابية كبيرة في الانتفاضات السابقة المواطنين من تكرار التجارب الثورية برغم ما تنطوي عليه من مخاطر تصل إلى الموت؟ أليس هذا كله دليلا قاطعا على عدم ملاءمة الحكم الخليفي لهذا البلد وشعبه؟ أليس ذلك حكما نهائيا بضرورة إنقاذ الوطن والشعب من براثن هذه العصابة التي حوّلت حياة الناس الى جحيم وأدخلت اليأس في نفوس البعض؟ وإلا فما تفسير استمرار الاحتجاجات حتى اليوم؟ لماذا فشل الخليفيون في ردع البحرانيين عن التظاهر والاحتجاج والتواجد في الميادين؟ فبعد مائة عام من الثورات المتواصلة هل هناك مجال للتعايش بين الطرفين؟ هل يستطيع البحراني الأصلي (الشيعي او السني) السكوت على الحكم الخليفي او التماهي معه؟ خصوصا بعد جريمة التطبيع التي اعتبرها الشعب خيانة عظمى للأمة والشعب، وآلى ان يجعلها أحد عناوين ثورته المتواصلة والمظفرة بعون الله تعالى. 

عندما اندلعت الاحتجاجات في عنابر سجن جو قبل ثمانية أعوام، سلّط الطاغية كلابه على المعتقلين السياسيين، فنهشوا أجسادهم بوحشية وإجرام غير مسبوقين. ونقل الكثيرون منهم الى الزنزانات المنفردة والسجون المعزولة، وضاعفوا أحكام بعضهم، وأمعنوا في التنكيل والإيذاء بدون شفقة او رحمة. مع ذلك استمرت محاولات هروب السجناء، حتى أصبح الكثيرون مولعين بمشاهدة الفيلم الذي يحكي رواية الهروب الجماعي من سجن “ألكتراز” الأمريكي. فالثائر الذي واجه الدبابات والجنود المدججة بالسلاح في ميدان اللؤلؤة وفي الانتفاضات السابقة خصوصا في التسعينات لم يعد مهتما بما ينتظره من نتائج إذا احتج ضد السجانين وتمرّد على قوانين الطوامير الخليفية. لذلك تكررت الانتفاضات والاحتجاجات. وليس بعيدا عن الذاكرة احتجاج سجناء جو عندما تعرّض سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد للإهانة والتنكيل على أيدي الجلادين العام الماضي. هؤلاء الضحايا أرادوا إفهام الخليفيين وعصاباتهم وجلاديهم بأن الشعب البحراني البطل مستمر في مقاومته، حتى وهو مكبل بالقيود. فطبيعة الثائر البحراني أنه يشعر بالكرامة والأنفة وينظر الى المحتل الخليفي كعدو هابط لا يستحق الاحترام ولا يملك ما يكسر به شوكة المواطن الحر الذي تمرد على القيود ولم يزده الحصار داخل الزنزانات إلا عنفوانا وشعورا بالكرامة ورغبة في التمرد بهدف كسر كبرياء الطاغية وعصابته. 

وإذا كانت التظاهرات والاحتجاجات داخل السجون قد أصبحت ظاهرة مقلقة ليس للخليفيين فحسب بل لداعميهم في واشنطن ولندن والرياض، فإن تحويل السجون الى معاهد لتعلم الثورة والرفض أصبح مصدر قلق آخر لتحالف قوى الثورة المضادة. وقد تضاعف قلق هؤلاء بعد ان أصر السجناء السياسيون على تمريغ كبرياء الطاغية وعصابته في الوحل برفض مشروعيهما الفاشلين: الأحكام البديلة والسجون المفتوحة. كان موظفو ديوان قصر الصافرية يظنون أنهم سيقفزون على الحقائق ويشوشون على ما يطرحه النشطاء ضدهم من دعاوى تؤكد إجرامهم، وذلك بالإمعان في إهانة السجناء بإجبارهم على توقيع تنازلهم عن حقوقهم المشروعة ومنها حق التجمع والاحتجاج ومحاكمة الجلادين، وذلك للخروج من غياهب السجون قبل بضعة شهور من انتهاء أحكامهم. لكنه فوجيء بالأنفة والكبرياء والوعي لدى أغلبية المعتقلين السياسيين، فأسقط في يده، وأصبح عليه ان يعترف بسقوط مشروعه وفشله. الأمر المؤكد ان السجناء السياسيين وضحايا التعذيب الخليفي لن يلوذوا بالصمت بل سيواصلون حراكاتهم واحتجاجاتهم ويملأون الدنيا ضجيجا لجذب الأنظار إالى معاناتهم. وما الشكوى التي تقدم بها حوالي 700 من السجناء السياسيين في الأسبوع الماضي إلا تأكيد لهذا المنحى وفشل العصابة الخليفية المجرمة في كسر شوكة البحرانيين. الملاحظ انه بدلا من الاستجابة لمطالب السجناء خصوصا في جانب توفير الرعاية الصحية وتمديد فترة الخروج اليومي من الزنزانات إلى الهواء الطلق، استهدف جلاوزته المحتجين ويتوقع تشديد الضغط والقمع عليهم. إنها أحد تجليات الأزمة البحرانية التي استمرت مائة عام بدون توقف. 

اليوم يراهن الطاغية على وفاة رموز الشعب وراء القضبان، خصوصا ان أغلب الرموز القيادية تجاوزت الستين من العمر. لذلك أصبح يمعن في حرمانهم من العلاج والدواء على أمل ان يعجل ذلك بتداعي صحتهم ومن ثم وفاتهم. هذه حقيقة يدركها السجناء انفسهم، ويعلمون ان الطاغية يسعى لتغييبهم من الحياة. ولكنهم واثقون من خطاهم الثابتة التي بدأوها بالوقوف مع الشعب في ثورته عندما انطلقت في 14 فبراير 2011 ولم يتراجعوا شعرة واحدة عن المطالب العادلة الهادفة لإحداث تغيير سياسي جوهري في البلاد. يظن الطاغية أن الزمن كفيل بحل جانب كبير من المشكلة، وأن غياب الرموز والعلماء او تغييبهم سيكون عامل تهدئة للساحة وسيزيل من يعتبرهم عناصر تأزيم. وفات هذا الطاغية ان الشعب متآزر معهم، وان كل يوم يقضونه وراء القضبان يضيف مادة للحراك السياسي وسببا لتصعيد النضال من أجل التغيير. فالشعوب لا تهزم مهما تفرعن الطغاة، خصوصا إذا كانت متمسكة بهدي ربها وتوجيهات نبيها وقرآنها العظيم. هذا الشعب يتشكل من أفراد عانوا من جرائم الخليفيين، وأنهم ورثوا المعاناة من آبائهم وأجدادهم الذين سلكوا طريق التغيير واشتركوا في الثورات السابقة وهتفوا ضد الاحتلال الخليفي وطغيانه واستبداده. لا ينسى هؤلا أسلافهم الذين قتلوا وسجنوا وأبعدوا عن البلاد إالى مناطق نائية، ابتداء بالشيخ خلف العصفور الذي أبعد في العام 1927 إلى العراق، وعبد الوهاب الزياني وأحمد بن لاحج اللذين أبعدا في العام 1938 إلى الهند، وعبد الله الزيرة الذي أبعد في الاربعينات الى إيران، ثم قادة الهيئة الثلاثة الذين تم نفيهم الى جزيرة سانت هيلانة بالمحيط الأطلسي: عبد الرحمن الباكر وعبد علي العليوات وعبد العزيز الشملان،  والعلماء الثلاثة  الذين أبعدهم الخليفيون في مثل هذه الأيام من العام 1995: الشيخ علي سلمان والمرحوم السيد حيدر الستري والشيخ حمزة الديري والشيخ عادل الشعلة. وما اكثر المبعدين في العشرين عاما الأخيرة ابتداء بالشيخ حسين نجاتي. 

أنه تاريخ طويل من العناء والمعاناة، من السجن والتعذيب والقهر، من التمييز والاضطهاد، من التجنيس السياسي ضمن مشروع الإبادة، وهو تاريخ خطّته دماء الشهداء فاستقر في ذاكرة الوطن والشعب ولن تمحوه أساليب النظام الفاشلة. هذا التاريخ بدأ بالمعاناة والتضحيات، وشاء الله أن لا يتوقف حتى يتحقق التغيير الذي يحول دول تكرر تلك المعاناة مستقبلا. هذا يعني أنه ليس هناك بديل عن النضال السلمي المتواصل وبذل التضحيات ثمنا للحرية واستعادة الحق السليب. هذا ما تواعد عليه المناضلون، ابتداء بالرموز المغيبين وراء القضبان، مرورا بضحايا التعذيب والتنكيل، وصولا الى الأحرار المبعدين وجحافل المتظاهرين الثابتين الصامدين. أنه عمل جماعي متواصل سيحقق ثماره بعون الله تعالى، في شكل وطن محرّر، وحق مستعاد، وحرية حقيقية ونصر مؤزر من الله، وهزيمة ماحقة لأعداء الله والخير والإنسانية. هذا هو عهد الشهداء الذين احتفى الشعب بذكراهم هذا الشهر، وهو عهد ملزم لن يتخلى الشعب عنه لحظة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين 

حركة احرار البحرين الإسلامية 

20 يناير 2023 

زر الذهاب إلى الأعلى