بيانات حركة أحرار البحرين

رسالة ديسمبر: الضحايا يقاضون جلاديهم

شهر آخر يستقبله الشعب وهو على موعد مع المزيد من الصراع مع الطغاة الذين ولغوا في دمائه عقودا واستضعفوه دهرا. في نصفه الاول يواصل الشعب فعالياته المعتادة من وقفات ومسيرات تطالب بإطلاق سراح الأسرى الذين يرزحون في طوامير التعذيب الخليفية، وهم يقاسون الأمرّين بسبب غياب الرعاية الصحية وتسلط الجلادين عليهم. وبعد منتصفه يشتد الصراع بين الطرفين في ومين متواليين يمثلان مناسبتين يمثلان ضدّين متقابلين. اولهما عيد الجلوس الخليفي الذي اعتاد البيت الخليفي الاحتفاء به لاستذكار صعود والد الحاكم الحالي الى الحكم قبل ستين عاما، واليوم التالي يمثل للشعب محطة تاريخية مفصلية في علاقاته مع الخليفيين. المواطنون لم يعتبروا المناسبة الخليفية إلا محطة سوداء في تاريخ البلاد، فقد تبعها من القمع والاضطهاد ما لا يمكن حصره، ابتداء بالانقضاض على انتفاضة 5 مارس في العام 1965، مرورا بالانسحاب البريطاني في 1971 والتجربة البرلمانية القصيرة في النصف الاول من ذلك العقد، وبلوغ القمع مستويات غير مسبوقة في الثمانينات وصولا الى ا لانتفاضة المباركة في النصف الثاني من التسعينات. أربعة عقود تقريبا هي الفترة التي تربع عليها المقبور عيسى بن سلمان على حكم البحرين وحدثت خلالها أبشع الانتهاكات والتعذيب وسقوط الضحايا تباعا. اما المناسبة الثانية فهي عيد الشهداء المجيد الذي رسمته دماء الهانيين في 17 ديسمبر 1994، وافتتحت بذلك حقبة تألق فيها وعي الشعب حتى وصل الى مطالبته العلنية بتغيير النظام السياسي جذريا، أي إنهاء الحقبة الخليفية السوداء.   

في هذا الخضم يجدر استعراض الملفات السياسية التي تعصف بالبلاد منذ عقود وما بلغه الوضع السياسي الداخلي من حالة استقطاب غير مسبوقة. ويمثل حكم الديكتاتور الحالي ذروة الطغيان والاستكبار والصلف. وهل هناك صلف أكبر من الإصرار على إبقاء التعذيب منهجا محوريا في التعاطي مع ا لسكان الاصليين (شيعة وسنة). وما الإفادات التي أطلقها ضحايا هذه الممارسة الشريرة من وراء القضبان في الأيام القليلة الماضية إلا تأكيد على طبيعة الحكم الخليفي الذي يستحيل ان يتخلى عن استخدام المفرطة بكافة أشكالها، متثملة بالذخيرة الحية ضد ا لمحتجين في الشوارع إذا حمي الوطيس، او بالتعذيب حتى الموت للمعتقلين السياسييين. وعلى سبيل المثال فإن ما ذكره المعتقلان السياسيان هذا الأسبوع في تسجيل هاتفي من السجن: محمد عبد الجبارمنصور (من منطقة العكر) وعبد الجبار عيسى عبد الله حسن محمد. الأول (محمد عبد الجبارمنصور) قال انه اعتقل في 11 نوفمبر 2021 وعذب بوحشية. وقال انه تعرض للضرب المبرح والتحرش الجنسي لإجباره على الاعتراف بجرائم لم يرتكبها. وبعد ذلك أجبروه على توقيع إفادة باستلامه 40 دينارا (106 دولارات)، وبعد ان قضى 11 يوما على هذا المنوال، حوكم على اساسها. وما يزال معتقلا بمركز الحبس الاحتياطي. اما المعتقل السياسي عبد الجبار عيسى عبد الله حسن محمد، 21 عاما، فقد اعتقل  في 22 نوفمبر 2011 وتعرض هو الآخر للتعذيب والإهانة، وقال أن التعذيب بدأ من لحظة اقتحام المنزل، بالضرب، ثم أخذ الى مبنى المخابرات، وأبقي عشرة أيام متواصلة معصوب العينين ومقيّد اليدين والرجلين. واستمرت وجبات التعذيب والتحقيق ثماني ساعات يوميا طوال تلك الفترة، ثم طلب منه التوقيع على اعترافات مزيفة رفضها، ولكن النيابة العامة الخليفية اعتبرت التهم ثابتة ورفضت التحقيق في جريمة التعذيب. وما يزال رهن الاعتقال ظلما وعدوانا وإجراما. 

 

فبرغم الاختصار الشديد لوصف ما تعرضا له من تعذيب بأساليب شتى من بينها التحرش الجنسي، فقد أثار الجهات الحقوقية بشكل خاص، ودفع ا لبعض للسعي لفتح ملفات إجرامية بحق الجلادين الذين يتمتعون بحماية الطاغية وعصابته. ومما يزيد من وقع هذه الاعترافات امور عديدة: أولها أنها حدثت قبل عام واحد فحسب، أي بعد 11 عاما من صدور تقرير بسيوني الذي أكد ممارسة ألتعذيب المنهج” ودعى لإلغائه ومحاكمة مرتكبيه. ثانيها: أنها بشعة الى مستوى لا يقل كثيرا عما تعرض له الضحايا الأوائل الذين استشهدوا تحت مباضع الجلادين. ثالثها: أن هذا التعذيب يتواصل برغم تأكيدات الخليفيين وأبواقهم أنهم تخلوا عن تلك ا لممارسة جملة وتفصيلا، الأمر الذي يؤكد استحالة تخلي النظام عنها.  رابعها: أن الاستبداد لا يمكن ان يصون حقوق الإنسان يوما، فما لم يستبدل بنظام حر يشارك فيه المواطنون بانتخاب نوابهم وحكومتهم فتستمر الانتهاكات لان الطغاة لا يشعرون بالأمن إذا سمح للمواطنين بحرية التعبير. وربما يمكن التخفيف بنسبة محدودة من هذا الاضطهاد والتعذيب بتكثيف جهود النشطاء الحقوقيين في مجال القضاء الدولي، وذلك بإعداد ملفات مفصّلة حول جرائم الجلادين الخليفيين. هذه الملفات تبدأ باستنطاق الضحايا وتشجيعهم على الإدلاء بشهاداتهم حول ما تعرضوا له من تعذيب منذ اللحظات الأولى لاعتقالهم، على  غرار ما قدمه الشخصان المذكوران. مطلوب بث وعي التوثيق بين الضحايا، وتشجيعهم على كتابة ما تعرضوا له مفصلا قبل أن تضعف الذاكرة وتختفي بعض التفصيلات التي تدين الجلادين الخليفيين. فمن الغريب جدا ان تمر اثنا عشر عاما من التعذيب الممنهج المتواصل بدون ان يتعرض الطاغية وعصابته لمساءات قانونية جادة. صحيح ان القوى الكبرى تهيمن على المؤسسات الدولية ذات الصلة، ولكن من يستمر في طرق الباب سيفتح له. فالصمت ليس خيارا، وتجاهل جرائم هذه العصابة المجرمة إنما يشجعها لارتكاب المزيد، فمن أمن العقوبة أساء الأدب. 

 

لذلك لم يعد الشعب قادرا على تحمل الحكم الخليفي بعد عقود من الاضطهاد والانتهاكات والظلم، وسيواصل نضاله من أجل التغيير. وفي هذا الشهر يستحضر المواطنون جرائم الخليفيين في هذا الشهر منذ اكثر من اربعة عقود. ففي مثل هذه الأيام من العام 1981 شن العدو الخليفي أول حملة اعتقالات جماعية بدعوى اكتشافه “تنظيما سريا يهدف لتغيير نظام الحكم بالقوة”. يومها مارس موظفوه بأجهزة الأمن من التنكيل والتعذيب ما يندى له الجبين، وكان للثنانئ البغيض هندرسون وفليفل دور أساس في تطبيق سياسة القبضة الحديدية الشرسة التي ألحقت الأذى والضرر باجيال من المناضلين منذ العام 1969 حتى العام 2002. كان الضابط الاستعماري منهمكا في الانتهاكات حتى ان الشرطة البريطانية أجرت تحقيقا واسعا في ممارساته، وسافر ممثلو جهاز الشرطة لمقابلة ضحاياه البحرانيين في أستراليا وألمانيا والسويد، ولكن جاء القرار السياسي في النهاية بغلق الملف والتوقف عن ملاحقته قضائيا. وبقي يسرح ويمرح في الساحة حتى بعد “تقاعده” بعد ان تخرّج علي أيديه اجيال من الجلادين منهم خالد الوزان وعبد العزيز عطية الله وخالد المعاودة بالإضافة لعادل فليفل. لقد مات أغلب أفراد ذلك الجيل بعد ان عاشوا في كنف الحماية الخليفية والبريطانية، بينما عانى المناضلون المحن والآلام، فاستشهد بعضهم في السجون وتوفي البعض الآخر خارجها. وما تزال ذاكرة الكثيرين خصوصا من جيل الثمانينات والتسعينات تكتظ بصور المعاناة في طوامير التعذيب الخليفية. وبعد أكثر من أربعين عاما من تدشين عهد التعذيب الفظيع، أصبح أمرا معتادا خطف الشباب والأولاد من قبل الجلادين وتعريضهم للتنكيل بطوامير التعذيب خصوصا في مبنى ما يسمى جهاز الأمن الوطني. أنها لجريمة بحق الإنسانية والوطن والقيم والقانون الدولي ان يسمح لهؤلاء المجرمين بالاستمرار في ممارساتهم بدون اعتراضات عملية من خلال المقاضات والتواصل مع الجهات الدولية المعنية. وبعد أسبوع سيكون هناك اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهي مناسبة لتجديد العهد من الضحايا وتدشين مشروع وطني شامل يستهدف الجلادين الخليفيين بالمقاضاة وتوثيق التعذيب الذي مارسوه بحق آلاف البحرانيين، والتواصل الوثيق مع الجهات الدولية. ويفترض ان تكون هذه رسالة شهر ديسمبر لتكون درسا للطاغية وعصابته. 

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين 

حركة أحرار البحرين الإسلامية 

2 ديسمبر 2022

زر الذهاب إلى الأعلى