بيانات حركة أحرار البحرين

في ذكرى الأربعين ودور السيدة زينب (ع): اضطهاد المرأة سياسة الحكم القبلي

الملايين سيتوجهون الى كربلاء، وأغلبهم سيشارك في مراسم إحياء ذكرى الأربعين، وأغلبهم يعي معناها وأهميتها وشخصياتها. والقليلون جدا هم الذين لا يعون دور السيدة زينب بنت علي عليها السلام في ملحمة الطف الخالدة وتبعاتها طوال الأربعين يوما اللاحقة. هنا تتجلى الثقافة الجاهلية بوضوح وتكشف مدى همجية الخارجين على مشروع محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام. هذا الخروج كان ضمن خطة انقلابية واضحة قامت بها الرموز القبلية وخططت لها منذ ان كان الرسول على قيد الحياة. فالإسلام كان تهديدا لأولئك الذين استعبدوا البشر بشتى الأساليب، بالتجهيل والتضليل والإكراه والاستعباد. ويمكن استيعاب مدى قسوة تلك الظاهرة من خلال معاناة الجيل الأول الذي التحق بالدعوة. فبرغم صبره وتحمله، كان نصيبه من التعذيب والاهانة هائلا: ويكشف فيلم “الرسالة” الذي صدر في نهاية السبعينات عمق معاناة أولئك الذين دخلوا الإسلام ومنهم ياسر وسمية وبلال وسواهم. واستمر اضطهاد حملة الرسالة فأجبروا على الهجرة الى الحبشة مرتين هربا من جحيم التحالف القبلي الشرير. ثم تعرض محمد ومن معه للحصار ثلاث سنوات في شعب أبي طالب وعانوا من الجوع والفقر والعوز ما لا يحتمله إنسان. ذلك جزء من معاناة رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.  

لم ينس القبليون هزائمهم اللاحقة بعد ان اشتد عود الإسلام وفرض نفسه على الجزيرة العربية، وأصبح القوة الأولى بدون منازع. كان للمراة من تلك المعاناة قسط وافر. فكانت خديجة بنت خويلد، المرأة الناجحة تجاريا، تعاني من الجوع والفاقة خلال الحصار، وكانت سمية وأسماء ذات النطاقين من اللواتي تصدرن المسيرة وحملن لواء الدعوة، وأصابهن البلاء بدون حدود. وتواصلت معاناة المرأة الرسالية حتى وصلت الى نساء كربلاء، فكان لهن نصيب الأسد من التنكيل والاضطهاد. وهل هناك معاناة أكبر من أجبارهن على مشاهدة رؤوس رجالهن على الرماح؟ أم هل هناك اضطهاد أكبر من السبي؟ تم ذلك باسم “الخلافة” الأموية، وعلى أيدي الانقلابيين الذين خططوا لسحق دين الله وإجهاض الإسلام المحمدي الذي ساوى بين السادة والعبيد، الاغنياء والفقراء، وبين العرب والعجم: كبر على المشركين ما تدعوهم اليه. فقد استكثر القبليون تلك القيم الإلهية العليا التي أعطت الجميع حقوقا متساوية، ومنح المراة حقوقا غير مسبوقة في الثقافة الجاهلية. بينما سعى رواد الإسلام الأموي لفرض ثقافة مختلفة ليس للمرأة مكانة تناسب إنسانيتها. ولكن خطتهم أفشلتها نساء الحسين عليه السلام بقيادة العقيلة زينب عليها السلام. فكانت مواقفها وخطاباتها وقيادتها مذهلة للقتلة والسفاحين، حتى اضطروا لإنهاء مسرحية السبي بعد ان كادت تقلب الرأي العام ضدهم برغم التضليل الرسمي غير المحدود. ذلك التضليل كان مدعوما بأحاديث ملفقة وقيم موضوعة ساهم فيها بعض صحابة رسول الله الذين كانوا على قيد الحياة آنذاك.  

دروس كربلاء كثيرة وبليغة وفاعلة. وقد تعلمت نساء البحرين من تلك الدروس فبرز منهن قائدات بطلات سجل التاريخ أدوارهن بحروف من ذهب.  وكان من نتائج ذلك تصاعد الاضطهاد بحقهن، فاعتقلن وعذّبن واستشهدن على طريق الحرية واتباع نهج آل بيت رسول الله. نساء البحرين نجحن في الامتحان، وقررن ان تبقى النساء الطاهرات المذكورات في القرآن الكريم واللاتي ارتبطن بسيرة محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، مثلهن العليا. وزينت بنت علي عليها السلام تمثل لهن قدوة وأنموذجا أعلى في الثبات والصمود والتصدي للظلم، وقول الحق بوجه الحاكم الجائر. رأين في موقف زينب في مجلس ابن زياد وبعد ذلك في قصر الطاغية يزيد، مثلا يستحق الاحتذاء: فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعكم إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين”. فهل هناك موقف أشجع من هذا الموقف، وهل هناك التزام بالموقف الشرعي أقوى من هذا؟ وهل هناك إنسانية أكثر رسوخا من احتفاظ المرأة بإنسانيتها وكرامتها وموقفها في أصعب الظروف. أمام حاكم طاغ، ارتكب أبشع الجرائم وسفك الدماء المحرّمة، وتصدى لمشروع رسول الله، كان لموقف زينب دور أسس لحركات معارضة أدت بعد عقود لسقوط البيت الأموي. فمن قال ان حكم العائلات يدوم؟ من قال ان الله خلق الشعوب لتحكمها أفخاذ قبلية  تستضعفها وتستعبدها وتنهب خيراتها؟ من قال ان النفس الإنسانية التي كرّمها الله يحق لها ان تستسلم للإهانة والظلم والتنكيل؟ قال علي عليه السلام: لا تكن عبد غيره وقد خلقك الله حرّا”. هذه المقولة كانت راسخة في نفوس أتباع محمد وعلي، وجسدها الأئمة والمؤمنون، وكانت شعارا للحسين في كربلاء: “هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك والمؤمنون”.  

المرأة البحرانية قرأت ذلك التاريخ، واستوعبت كرسالة كربلاء، وشعرت بدور زينب عليها السلام في حمل راية الثورة وتوضيح أهدافها وكشف جرائم النظام الحاكم الذي قتل أطهر الناس وأقربهم من رسول الله، ونكل بالنساء، قتلا وسبيا. زينب وقفت موقفها وسجلت شهادتها أمام التاريخ، وفضحت الحكم الأموي، وواجهت الطاغية بروح أبية يدفعها كبرياء الإيمان. وبهذه الثقافة صنعت المرأة البحرانية موقفها منذ مائة عام، فسجنت وعذبت وقتلت ونفيت، ولكنها لم تبارح الميادين. وما أكثر النساء اللاتي تعرضن للتعذيب والتنكيل على أيدي الطاغية اليزيدي الحالي الذي لم يترك موبقة إلا ارتكبها، ولم يراع دينا او مبدأ او أخلاقا. وما يزال يفعل. فهذه السيدة فضيلة عبد الرسول ترزح في طوامير تعذيبه صابرة محتسبة، رافعة راسها، شامخة بهامتها، لا تستعطف او تتوسل. موقفها يعجز عنه أولئك الذين يمدحون الطاغية، ويسعون لتبييض صفحته السوداء التي امتلأت بالاعتداءات على الشعائر الحسينية ونكلت بالسائرين على درب أبي عبد الله. هذه المرأة قزّمت الذين يهنئون الطاغية، كما فعل الذين هنأوا يزيد بقتل الحسين بن علي عليه السلام. اليزيدون هم اليزيديون، والحسينيون هم الحسينيون، معسكران منفصلان لا يلتقيان او يتعايشان أبدا. فالحق والباطل في صراع دائم. الحسين يمثل الحق دائما، ويزيد يمثل البغي والعدوان والاستبداد والظلم والسبي وقتل الأبرياء.  

ستظل المرأة البحرانية حسينية في انتمائها، زينبية في مواقفها، مؤمنة في توجهها، لا تبتغي غير وجه الله، ولا تخشى فيه لومة لائم. تؤسس عائلتها على  النضال والصمود والكرامة، وتتظاهر في الشوارع محتجة ضد الظلم والاستبداد والتطبيع والخيانة، وفي السجن تصبر وتحتسب عند الله ما تلاقيه من تعذيب وتنكيل واضطهاد. لقد قررت ان تلتحق بالمسيرة الحسينية منذ انطلاق الثورة المظفرة وقبلها. سجنت في الخمسينات وتظاهرت في الستينات، واعتقلت في السبعينات، وعذبت في الثمانينات، وقتلت في التسعينات وما تزال تعتقل وتعذب وتقتل حتى اليوم. هتفت دائما ضد الظلم والاستبداد والانحراف، ولن تحيد عن ذلك الدرب يوما. 

في ذكرى الأربعين يقف شعبنا معزيا رسول الله ومنتظرا بوعي ظهور الامام المهدي عجل الله فرجه، ومواسيا الحسين في نسائه المسبيات. هذا الشعب يذهب الى العراق ليكون قريبا من ميدان الفداء، معزيا بين الحضرتين الشريفتين، ويبقى في البحرين ليطوف شوارعها بالعزاء والهتاف، وأينما حل ابناؤه كانوا أوفياء للحسين والثورة والوطن. ذلك هو شعب البحرين المظلوم، وتلك هي رسالته وهذه طريقه، لا يشتكي ما يناله من ظلم إلا لله، ولا يطلب العون إلا منه، ولا يفتخر إلا بشهدائها وشهيداته، ولا يهتف إلا بالحرية والعدل والكرامة. اما الخليفيون فيغوصون الى الإذقان في مستنقع العمالة، فذلك طبعهم وهويتهم، لذلك يستمر النضال حتى يأذن الله بالفتح من عنده ويسقط الطغيان والظلم، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. 

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين 

حركة أحرار البحرين الإسلامية 

9 ستبمبر 2022

زر الذهاب إلى الأعلى