بيانات حركة أحرار البحرين

الذكرى الـ 11 للاجتياح السعودي – الإماراتي: شعب البحرين شامخ والطغاة إلى زوال

لن ينسى الشعب البحراني العدوان السعودي – الاماراتي على بلده وسيادته وثورته. ففي مثل هذه الأيام من العام 2011 كانت الثورة تصنع طريقها للتغيير الذي كان سيعود بالخير على البلاد والشعب والمنطقة. كانت الجماهير تتخذ من دوار اللؤلؤة منطلقا لفعالياتها السلمية التي لم تتوقف: تظاهرات ومحاضرات وحلقات حوارية وآمال عريضة. يومها التأم شمل الشعب بشيعته وسنته، إسلامييه وليبرالييه في استعراض سياسي وفكري متميز يتناغم مع ثورات الربيع العربي التي كانت في أوجها آنذاك. كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد أزيح عن الحكم، وكان الرئيس المصري حسني مبارك ينتظر دوره ليسقط هو الآخر، وكذلك معمر القذافي وعلي عبد الله صالح. كانت معنويات الجماهير ا لعربية تناطح السحاب علوا وآنفة، فلم تعرف التراجع او المساومة. ولكن أعداء الشعوب كان لهم شأن آخر، وخطط شيطانية مدمرة. فسرعان ما انقضت قوى الثورة المضادة على الثورات الشعبية ودمرتها بلا رحمه، فسقط المئات من الشهداء واعتقل الآلاف وعم المنطقة اجواء من القمع والاستبداد لم يحدث لها مثيل. فللمرة الأولى منذ عقود كان نبض الشعوب متناغما مع تطلعاتها وآمالها، فقد فجر الشهيد التونسي محمد بوعزيزي في المنطقة بركانا كان مقموعا لعقود. فكان جسده الذي احترق من أجل الحرية كافيا لتفجير تلك الطاقات التي فاجأت العالم، وحاصرته سياسيا وأخلاقيا، ووضعته أمام خيارات صعبة اتضح لاحقا أنه فشل في الاختيار وانحاز ضد الشعوب ودعم انظمة الاستبداد الجاثمة على الشعوب وترفض مباديء ا لشراكة السياسية والتداول على السلطة والانتخاب الحر.

كان الاجتياح السعودي – الاماراتي على البحرين وشعبها وثورها خارج المألوف وغير متوقع بلحاظ أمور عديدة: أولها انه انتهك ميثاق مجلس التعاون الخليجي وقوات درع الجزيرة التي كانت مهمتها التدخل في حال تعرض أي بلد لعدوان خارجي، وليس التصدي للشعوب ومطالبها. كان ذلك الانتهاك جريمة كبرى ادخلت المنطقة في دوامة من السياسات الخاطئة التي أدت في ا لنهاية الى جريمة التطبيع مع محتلي فلسطين. ثانيها: ان ثورة شعب البحرين كانت سلمية ومتحضرة وباهداف منطقية ومعتدلة، ولم تكن موجهة ضد أي من حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. ولذلك اعتبر الاجتياح إعلانا للحرب على الشعب البحراني بدون مبررات منطقية أو أخلاقية. ثالثها: أن ظروف العدوان كانت توحي باستحالة حدوثه، فقد كانت هناك “حوارات” بين ذيول العصابة الخليفية وممثلي ا لجمعيات السياسية بقيادة جمعية الوفاق، وكانت الاجتماعات بينهما مستمرة إلى ما قبل حدوث الاجتياح ببضع ساعات، الامر الذي اعتبره ا لشعب طعنا في الخاصرة وخيانة للأمانة وانقضاضا على الأخلاق. رابعها: ان أحدا لم يتوقع حدوث الاجتياح نظرا لما ستكون له من تبعات أمنية وسياسية وإنسانية. وهذا ما حدث لاحقا.

حدث الاجتياح في الظلام الدامس من الرابع عشر من مارس 2011 عندما كان الناس نياما. وكان المرابطون بدوار اللؤلؤة قد هجعوا للنوم بهدوء لانهم لم يتوقعوا ان يحدث العدوان غيلة. فلم يستيقظوا إلا على أصوات الانفجارات وحرق الخيام وتدمير الأخضر واليابس في تلك البقعة الصغيرة التي تحولت الى بؤرة ثورية بامتياز ستخلد في الذاكرة حتى سقوط الحقبة الخليفية السوداء. فاستشهد ستة أشخاص بالرصاص الحي والقذائف وهيمنت على البلاد حالة من الخوف والاضطراب لن ينساها الشعب. وفي غضون الأيام القليلة اللاحقة استمر اعتداء القوات الغازية على الشعب البحراني، فأعلن أحكام الطواريء والقوانين العرفية لمدة ثلاثة شهور وشاركت في قمع المسيرات كما حدث في سترة. وستبقى الجمجمة المفضوخة للشهيد أحمد فرحان شاهدا خالدا على توحش المحتلين السعوديين والإماراتيين. وفي غضون أيام قليلة اعتقلت قوات الاحتلال رموز الوطن والشعب، بالاضافة للآلاف من المواطنين من كافة المناطق، وخيم على البلاد حالة من التوتر والقلق والخوف. ولكن بقي الشعب صامدا، وتحدى المعتدين بالاستمرار في التظاهرات والاحتجاجات والتحدي وهتف بوضوح: البحرين حرة حرة، درع الجزيرة برّا برّا. وبعدها بدأ المحتلون بهدم المساجد التي بلغ عددها حوالي 40 مسجدا ومنشأة دينية بدون رحمة من قلب او وازع من ضمير. وبعد فترة هرع المواطنون لإعادة بناء بعضها، واستمرورا يؤدون الصلاة في بعضها الآخر المهدوم، وأصروا على تشبثهم بمساجدهم وتحدوا المحتلين والخليفيين بروح إيمانية عالية، وما يزالون يفعلون حتى اليوم. فالأرض التي كان مسجد العلويات مشيدا عليها تشهد افواج المصلين بشكل شبه يومي.

وما تزال هناك آثار للعدوان السعودي- الاماراتي على البحرين، منها المساجد التي لم يتم إعادة بنائها حتى اليوم، والمشاعر العميقة بالظلامة في نفوس المواطنين الذين تعمق شعورهم بان الخليفيين ينتمون لخارج البلاد بدليل استعانتهم بالاجانب بشكل مستمر واستقدام القواعد الاجنبية وقوات الأمن والشغب من باكستان والأردن. وربما من الآثار التي ترتبت على الاجتياح ظهور تحالف قوى الثورة المضادة التي انطلقت من العدوان على البحرين لتستهدف مصر وشعبها وليبيا وتونس واليمن وسوريا التي تم تحويل حراك بعض مواطنيها الى موجة من الإرهاب غير المسبوقة التي حصدت الأخضر واليابس. وبالاضافة لاستخدام سلاح الإرهاب لتبرير قمع الشعوب استخدمت قوى الثورة المضادة الطائفية سلاحا لتمزيق الأمة وإضعاف حراك شعوبها، وقد أدى ذلك إلى صمت الكثيرين عن ثورة البحرين التي سميت “الثورة المنسية” ولم يتم التصدي للعدوان السعودي – الإماراتي. هذا الصمت ساهم في تسهيل مهمة استهداف الثورات الأخرى، فقد شعرت الامارات والسعودية بأن تدخلهما في البحرين ساهم في إضعاف الحراك الشعبي، فتم استهداف الثورات الأخرى من قبل هذا التحالف الشرير. وفي غضون بضع سنوات اتضحت حقيقة هذا التحالف بالتطبيع العلني مع قوات الاحتلال. وأصبح هناك واقع جديد في المنطقة يمارس فيه تحالف قوى الثورة المضادة سياسات القمع والاضطهاد واستهداف القوى الرافضة للتطبيع. وبالغ هذا التحالف في استخدام “الإرهاب” شمّاعة لمحاصرة كافة المجموعات السياسية والنضالية ومنها الاخوان المسلمون وحماس وحزب الله والنهضة التونسية وأنصار الله في اليمن والوفاق وبقية المجموعات المعارضة في البحرين.

بعد 11 عاما من العدوان السعودي – الاماراتي على البحرين، كيف تبدو صورة مستقبل المنطقة مع توسع نفوذ التحالف المذكور وتحالفاته مع الغرب؟ بمعنى هل طويت صفحة التغيير في العالم العربي؟ هل أصبح قدر شعوب المنطقة ان تعيش محكومة بالاستبداد إلى الأبد؟ الأمر المؤكد ان هذا لا يستقيم مع الطبيعة البشرية والقوانين التي تحكم الشعوب. فالظلم لا يمكن ان يدوم مهما كان لدى الظالم من قوة مادية يستهدف بها خصومه. يضاف الى ذلك ان ديناميكية التغيير لا تسمح بالجمود خصوصا اذا كان هذا الجمود مؤسسا على قواعد هشة وآليات مفتعلة وافتراضات مرتبطة بالقوة المادية فحسب. فالحكم الخليفي جائر، لا ينسجم مع عدد من الحقائق: أولها سنة التغيير التي لا تسمح بالجمود، ثانيها: عدم انسجامها مع روح العصر وقيم الحداثة والشراكة السياسية والتداول على السلطة. ثالثها تعمق روح النضال والرفض في نفوس البحرانيين، وهي روح توارثوها عبر الأجيال، وليست طارئة. رابعها: ان الظروف الإ قليمية التي ساعدت الخليفيين وداعميهم في الرياض وأبوظبي متغيرة على مستوى التحالفات والعلاقات وتبادل المصالح. وقد فتحت الآزمة الأوكرانية الحالية السجال السياسي والفكري حول سياسات الغرب وما تتضمنه من انتقائية ومعايير مزدوجة، ويتساءل الكثيرون: لماذا لم يتعامل الغرب مع التدخل العسكري السعودي – الإماراتي في البحرين بالسياسة نفسها التي يتعامل معها مع الحرب الروسية على أوكرانيا. وهكذا يتضح وجود متغيرات عديدة ستساهم في تحديد مسارات المنطقة خصوصا على صعيد علاقة الشعوب بالحكام الظالمين. وشعب البحرين واثق بان معاناته وتضحياته لن تذهب سُدىً، وأن الله سينصره، وأنه للظالمين بالمرصاد “ولا يحسبن الذين كفروا أن ما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذأب مهين”.

اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
11 مارس 2022

زر الذهاب إلى الأعلى